الحجز التحفظي في القانون المغربي
(الجزء:1)
المطلب الأول: الحجز التحفظي : ما هيته و مسطرته والأثار المترتبة عنه
يحتل الحجز التحفظي أهمية كبيرة وتأتي هذه الأهمية من الغاية التي يشرع لأجلها، فإذا كان بإمكان المدين أن يستعمل كافة الوسائل لإعساره ، وتبديد ضمانة العام ، فإن الدائن بدوره يتحتم عليه أن يفكر في وسيلة قانونية يستطيع من خلالها أن يمنع المدين من التمادي والاستمرار في هذه التصرفات، تبقى أهم وسيلة تتجسد في مؤسسة الحجز التحفظي ، إذن فما هي هاته المؤسسة ( الفقرة الأولى) وما هي الإجراءات المتطلبة في هذا النوع من الحجوز ، وما هي الآثار المترتبة عنها ( الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: ماهية الحجز التحفظي ومسطرته
للحجز التحفظي أهمية قصوى في حماية الدائن، لذلك يعتبر من أكثر الطلبات المعروضة على المحاكم بالنظر لطابعه التحفظي ، من ثمة نتساءل عن المقصود به وشروطه ( أولا ) ثم المسطرة المتبعة فيه ( ثانيا) .
أولا : ماهية الحجز التحفظي وشروطه
نظم المشرع المغربي الحجز التحفظي في الفصول من 452 إلى 458 من قانون المسطرة المدنية، كما نظمه في إطار الفصول من 203 إلى 213 من القسم الثالث عشر من ظهير 2 يوليوز 1913 المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة وكذا قانون الالتزامات العقود في المادتين 126 و 138. وقد تعددت التعريفات التي أعطيت لهذه المؤسسة إلا أن جميعها لا تخرج عن التعريف الذي أعطاه المشرع في الفصل 453 من ق م م " ... وضع يد القضاء على المنقولات والعقارات التي انصب عليها ومنع المدين من التصرف فيها تصرفا يضر بدائنه ... "
وقد عرفه الاستاذ أبو الوفاء " بأنه ضبط مال المدين منعا كتهريب والتصرف فيه تصرفا يضر بحقوق الدائن في انتظار حصول هذا الأخير على سند تنفيذي بحقه" ،إذن فالحجز التحفظي وسيلة عاجلة للحماية القضائية موضوعة رهن إشارة الدائن الذي لجأ إليها كلما بد له أن هناك خوف حقيقي لفقدان ضمان دينه . وقد عرفه الأستاذ عبد العزيز توفيق بأنه " وضع أموال المدين تحت يد القضاء وغل يده عن التصرف فيها تصرفا يضر بالدائنين ، تمهيدا لنزع ملكيتها لمصحلة هؤلاء الآخرين واستفاء حقوقهم من تمنها إذا لم يؤدي المدين ما عليه من ديون على اعتبار أن الحجز التحفظي لا يؤدي إلى خروج أموال المدين من ذمته المالية بل إنها تبقى بين يديه إلى غاية تحوله إلى حجز تنفيذي عرف القضاء المغربي الحجز في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بأنه " إن الحجز التحفظي هدفه الوحيد هو وضع يد القضاء على أموال المدين من أجل منع تبديدها قبل أن يتم الفصل في موضوع حق الدائن ... "، هذه الخاصية جعلت الأستاذ وجدي راغب " يقول بأن الطبيعة الوقتية للحجز التحفظي هي التي تحكم نطاقه وشروطه .
ويجب التذكير أنه يثبت الحجز التحفظي للدائن ولو لم يكن بيده سند تنفيذي أي ولو لم يكن له الحق في التنفيذ الجبري ، لكن العدالة تقتضي تحتم على المشرع أن يحيط هذه المؤسسة بشروط تضمن عدم اللجوء إلى الحجوز التعسفية انسجاما مع القاعدة الفقهية " لا ضرر ولا ضرار" وحتى لا تكون أمام تعسف في استعمال الحق .
ويشترط أن يكون الدين محدد المقدار ولو على وجه التقريب وهو ما ينص عليه الفصل 452 من ق م م وفي هذا الصدد ذهبت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في قرارها بتاريخ 1998 إلى ما يلي " إن ما ذهبت إليه المحكمة الابتدائية في حيثياتها عندما اشترطت لإجراء حجز تحفظي أن يكون الدين ثابثا ومحققا وخاليا من أي نزاع يخالف روح الفصل 452 من ق م م وما جرى عليه العمل القضائي الذي يسير على أن السند المبرر للحجز التحفظي يقتضي أن يكون الدين ثابتا في مبدئه ..."
وتجدر الإشارة إلى أن بعض المحاكم تعرف تضاربا واختلافا بخصوص هذه النقطة حيث وقع الاختلاف بين محكمتين الدرجة الأولى والثانية بوجدة بخصوص نازلة واحدة وهكذا اشترط الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بوجدة بتاريخ 5 دجنبر 1994 ضرورة وجود سند يتبث الدين ونظرا لعدم وجود ذلك السند، رفض طلب العجز التحفظي على عقار لعدم ثبوت المديونية.
أما محكمة الاستئناف فقد أصدرت بتاريخ 1995 قرارها قضت فيه بإلغاء الأمر الأول والحكم من جديد بإيقاع حجز تحفظي واستندت على التعليل التالي " الإجراء المطلوب لإ يعدوا أن يكون إجراء وقتيا الغاية منه المحافظة على الحق إلى حين انتهاء النزاع خاصة وأن هناك دعوة جارية في الموضوع من أجل المطالبة بأداء مبلغ مالي وهذا ما يوجب بالضرورة إيقاع تدبيرا احترازي على أموال المدعى عليه ".
ويعتبر الأستاذ jean Razon بأنه لا يشترط أن يكون الدين محققا بل يكفي أن يكون ظاهر الوجود في أساسه، وهو نفس ما أكده الأستاذ عبدالله بوظهرين وهو نفس الاتجاه تورده المادة 347 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري " يجوز للدائن الحجز تحفظيا على المنقولات إذا كان حاملا لسند أو كائن لديه مسوغات ظاهرة لا تدع مجالا للشك بأنه دائن لخصمه، يؤكدها واقع الحال من التعامل السابق مثالا او لوجود شهود إلخ ... ".
أما الشروط المتعلقة بأطراف الحجز التحفظي ،ونقصد هنا الحاجز والمحجوز عليه باعتبارهما الطرفين الرئيسين في مسار مسطرة الحجز التحفظي.
فالحاجز وهو يبادر بطلب إجراء حجز تحفظي في مواجهة المدين / المحجوز عليه يجب عليه مراعاة بعض الشروط المتمثلة في الأهلية والصفة والمصلحة كما أنه في حالة وجود خلف للدائن سواء كان خاصا او عاما فإنه بإمكانه القيام بالحجز نيابة عن الدائن الأصلي نفسه على أن يقوم بإحضار المدين بصفته هاته .
وهذا ما كرسه الاجتهاد القضائي المغربي في أحد قرارته " أن تحمل الورقة لديون الموروث تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالمواريث، إن مسؤولية الورثة تكون على نسبة ما حازه كل منهم من نصيبه وفي حدود ما أخذوه فعلا من التركة "، كما أنه كلما تعلق الأمر بوكيل اتفاقي فعلى هذا الأخير إثبات صفته كوكيل عن الطرف الدائن لذلك اشترط بعض الفقهاء كتابة الوكالة لتعزيز موقع الوكيل في الحالة يطلب فيها المدين المحجوز نسخة رسمية من سند هذه الوكالة أما عن الشروط المتعلقة بالمحجوز عليه
( الطرف الثاني ) فتتمثل كذلك في الصفة والأهلية هاته الأخيرة اعتبر بعض الفقهاء أن الأهلية التامة غير مطلوبة في المحجوز عليه كون انعدام او نقص الأهلية لا يصح سببا شرعيا وقانونيا لعدم دفع ديونه لواجبه الدفع وكون الإجراءات يمكن أن توجه إلى من يقوم مقام ناقص أو عديم الأهلية .
*الشروط المتعلقة بالمال المحجوز : إذا كان القانون الفرنسي كنظيره المصري حصر محل الحجز التحفظي في مجرد المال المنقول ومن تم فهو لا يرد على العقارات بطبيعتها كما لا يمكن من جهة أخرى أن يرد الحجز على المنقولات التي تعتبر عقارا بالتخصيص لأن هذه الأخيرة تحجز بإجراءات الحجز على العقار .
فإن المشرع المغربي ذهب إلى عكس ذلك بحيث أورد الحجز التحفظي في الفرع الأول من الباب الرابع بعنوان حجر المنقولات والعقارات وحسنا فعل ذلك إذ أن العقار وإن كان لا يمكن تهريبه ماديا، ففي الإمكان تهريبه قانونيا بالتصرف فيه بالبيع أو الهبة أو غيرها وإخراجه بذلك من ضمان الدائن وسرعان لأغراض إنسانية نص المشرع في المادة 458 من ق م م على أموال لا تقبل الحجز كما أن صفة المنفعة العامة الواردة في بعض الأموال تكون حائلا دون إمكانية إيقاع الحجز التحفظي عليها حيث أن الحجز على أموال الدولة قد يؤدي إلى المساس بهيبتها وزعزعة الثقة بمؤسساتها .
أما فيما يتعلق بالحق المحجوز من أجله فإنه يشترط فيه أن يكون حقا ظاهرا بذلك ذهب المشرع المغربي إلى حماية الدائن إلى حد أبعد مما هو عليه الأمر في التشريعات كالتشريع المصري الذي يستلزم أن يكون الحق محقق الوجود إلا أن اتجاه المشرع المغربي الذي سعى إلى حماية الدائن ووقاه من مخاطر إعادة تنظيم المدين لذمته ( المالية ، بحيث يبدو معسرا يبدو توجها غامضا ويتضمن مخاطر إساءة استعماله ، لأن كل من يزعم بأنه دائن سيسارع إلى توقيع الحجز .
أما فيما يخص شرط حلول الأداء فما يلاحظ هو كون القانون الفرنسي يتطلب هذا الشرط إذا كان يراد اتخاذ إجراءات تنفيذية في حين تطلب المشرع المصري هذا الشرط التوقيع حجز تحفظي ، رغم تناقض هذا الشرط مع طبيعة الحجز التحفظي ذاته لأن انتظار الدائن حتى يحل أجل حقه يعرضه لمخاطر تهريب المدين لأمواله وهو ما يتعارض مع هدف الحجز .
وبرجوعنا إلى مقتضيات المادة 138 ق ل ع نستشف أن المشرع المغربي لا يتطلب أن يكون الأداء حالا بحيث يجوز للدائن يدين مقترن بأجل يتخذ ولو قبل حلول الأجل كل الإجراءات التحفظية إذا كانت له مبررات معتبرة تجعله يخشى إعسار المدين او فراره
الحجز التحفظي في القانون المغربي مسطرته وآثاره
(الجزء:2)
ثانيا: مسطرة الحجز التحفظي
إذا كانت إجراءات الحجز التحفظي تخضع أصولها للمبادئ العامة للتقاضي فإن الطبيعة الخاصة لهذا النوع من الحجوز قد جعلته يستقل بداته في العديد من الأمور التي تنسجم مع الغاية التي توخاها المشرع من إحداث هذا النظام القانوني ألا وهي الحفاظ على حقوق الحاجز بصفة مؤقتة .
1-الأمر بالحجز التحفظي
لاشك إن تقديم طلب لايقاع حجز تحفظي ضرورة مراعاة مجموعة من الإجراءات بداء باحترام قواعد الاختصاص وصولا إلى تقديم طلب مستوف لكافة الشروط المنصوص عليها في ق م م
أ- قواعد الاختصاص
باستقرائها لمقضيات الفصل 452 ق م م يتبين أن الاختصاص ينعقد لرئيس المحكمة الابتدائية ، لكن التساؤل الذي برز في هذا الإطار هو هل القاضي في الأمر بالحجز
التحفظي تدخل في مجال الأوامر الولائية أم هي ضمن سلطة إصدار سلطة الأوامر الاستعجالية .
هكذا ذهب جانب من الفقه إلى أن رئيس المحكمة مختص في إطار الفصل 148 ق م م حيث يمكن البث في غيبة الأطراف وذلك مخافة ضياع حق الدائن، فيما أسس اتحاد آخر رأيه كون اختصاص رئيس المحكمة في الأمر بالحجز التحفظي على مقتضيات الفصل 149 ومن تم فاستدعاء الأطراف واجب إلا في حالة الاستعجال القصوى.
لكن الفقه لم ينتبه إلى الاستناد الوارد في نص المادة 148 ذاتها والتي جعلت رئيس المحكمة مختصا في الأوامر بناءا على طلب ومعاينات في أي إجراء مستعجل في أي مادة لم يرد بشأنها نص خاص ولا يضر بحقوق الأطراف لذلك فاختصاص رئيس المحكمة بإصدار أوامر الحجوز التحفظية هو اختصاص بمقتضى نص خاص وهو الفصل 452 ق م م ،أما عن الاختصاص المحلي، فإن المحكمة المختصة مكانيا هي المحكمة التي يقع في دائرتها التنفيذ وهو ما أكدته محكمة الاستئناف بالبيضاء " إن طلب حجز تحفظي على أموال المدين هو نوع من الطلبات الخاضعة للاختصاص الولائي لرئيس المحكمة الابتدائية التي يقع بدائرة نفوذها ( ... ) وبالتالي وجب على الرئيس أن يصرح بعدم اختصاصه بصفة تلقائية كلما كان التنفيذ سيقع خارج دائرة ولايته ... ".
ب- شكل مضمون الأمر بالحجز التحفظي
استنادا إلى المقتضيات العامة ل ق م م يمكن القول أن المقال الرامي إلى إجراء حجز تحفظي هو مقال يجب أن يستجمع كافة الشروط ( من اسم كل من المدعي والمدعى عليه الشخصي والعائلي وصفته وموطنه أو محل مخابرة كل منهما ... إلخ ) وبيان موضوع الطلب ...
أما مضمونه فهو الحصول على أمر وقتي تنفيذه بصورة استعجالية مخافة ضياع حق الدائن بسبب تصرف المدين في أمواله تصرفا يضر بحقوق الدائنين ويضعف من الذمة المالية للمدين ويتضمن الأمر بالحجز التحفظي بدوره مجموعة من الشكليات .
الفقرة الثانية : آثار الحجز التحفظي وسبل الحد منها .
بالنظر إلى الغاية التي توخاها المشرع من الحجز التحفظي فهو يحتل أهمية قصوى هذه الغاية المتمثلة في المحافظة على المال محل الحجز من الضياع والتبديد وهذه الغاية هي التي جعلته يترتب مجموعة من الآثار الهامة إلا أنه وعلى اعتبار أهمية هذه الآثار فقد أوجد المشرع أيضا وسائل تمكن من الحد منه خاصة إذا تبث وجود تعسف من طرف طالبه .
أولا : أثار الحجز التحفظي
تتراوح أثار الحجز التحفظي بين ثلاثة أثار أساسية
أ- التقادم
بالإطلاع على مقتضى الفصل 381 من ق ل ع نجده ينص في فقرته الثالثة على أنه " ينقطع التقادم بكل إجراء تحفظي أو تنفيذي يباشر على أموال المدين أو بكل طلب يقدم للحصول على إذن من مباشرة هذه الإجراءات ".
وبالتالي يتضح أن الحجز التحفظي هو من بين إجراءات التنفيذ التي ينقطع بها التقادم حيث يقضي على المدة السابقة ويجعلها كأن لم تكن .
ب-تقييد سلطة المحجوز عليه في استعمال واستغلال المال المحجوز
إن الأمر بإجراء الحجز التحفظي لا يحول دون انتفاع المحجوز عليه بالمال المحجوز ما لم يقض بخلاف ذلك وما لم يعين حارسا قضائيا وذلك استنادا لمقتضيات الفصل 454 من ق م م حيث يعتبر في الحالة الأخيرة حارسا قضائيا كما يمكنه نتيجة الانتفاع به تملك الثمار دون أن يكون له الحق في كرائها إلا بإذن القضاء ومع ذلك فإن حق استعماله لا يجب أن يؤدي إلى تلفه لما في ذلك من إضرار بمصلحة الدائنين والالتزام هنا هو التزام ببذل عناية وليس التزام بتحقيق نتيجة بمعنى يكون ملزما ببذل جهده في العناية فقط ولا يسأل عن غير ذلك .
إلا أنه وبالعودة إلى مقتضيات الفصل 822 ق ل ع نجد أن المشرع أجاز إمكانية تفويت المال المحجوز إذا كان ذلك ضروريا للحفاظ عليه وذلك شريطة استصدار إذن من طرف القاضي بتفويته حيث تقع الحراسة في هذه الحالة على الثمن . كما تبقى الإشارة ضرورية إلى أنه إضافة للمسؤولية المدنية فقد اعتبر المشرع تبديد الأشياء المحجوزة جريمة معاقب عليها بمقتضى القانون الجنائي الفصل 524 من ق ج ) وتجد الجريمة أساسها القانوني في إخلال المدين بالتزامه الأساسي المتمثل في ضرورة رد المال المحجوز وفقا لمقتضيات الفصل 824 ق ل ع .
ج- عدم نفاذ التصرف في المال المحجوز
يؤدي الحجز التحفظي إلى تجميد الأموال التي وقع الحجز عليها من خلال وضع القضاء يده عليه وبالتالي منع المدعين من التصرف فيها استنادا لمقتضيات الفصل 353 ق م م ورغم ذلك فإن المحجوز عليه يضل مالكا لماله المحجوز ، لان الحجز لا يؤدي إلى فقد ملكية المال المحجوز حيث يمكنه تبعا لذلك أن يستعمله إما للسكن أو غير ذلك حسب المال وأن يقوم بكل ما هو ضروري للمحافظة عليه كرفع دعاوى الحيازة . غير أن هذه القاعدة ترد عليها، استثناءات وهو ما يستنتج من خلال مقتضيات الفصل 454 ق م م " .... يمكن له نتيجة ذلك أن ينتفع بها انتفاع الشخص الحريص على شؤون نفسه وأن يمتلك الثمار دون أن يكون له حق كرائها إلا بإذن من القضاء ... " وبالتالي يمكن للمدين أن يتصرف في المال موضوع الحجز بالكراء مثلا لكن بعد استصدار إذن قضائي بذلك مما يدل على محاولة المشرع التعامل بنوع من المرونة من خلال خلق بعض التوازن في التعامل بين طرفي العلاقة خصوصا وأن هذا النوع من الحجوز يظل إجراءا وقتيا إلى غاية الفصل في الدعوى أمام قضاء الموضوع. أو بالالتزام ( سداد الدين )
ثانيا : السبل الإجرائية للحد من آثار الحجز التحفظي
لقد اتضح جليا أن المشرع المغربي ومن خلال تنظيمه للحجز التحفظي قد أراد حماية مصالح وحقوق الدائن من الضياع ، وفي مقابل هذا نجده ( المشرع) قد عمل أيضا على توفير مجموعة السبل والوسائل القانونية التي يمكن من خلالها للمدين ( المحجوز عليه ) من حماية مصالحه خاصة عند وجود نوع من التعسف في مطالبة الدائن بحقه وتشتمل هذه الوسائل الإجرائية الكفيلة بالحد من آثار الحجز التحفظي فيما يلي :
أ –دعوى رفع الحجز التحفظي
بالنظر إلى خطورة آثار هذا الحجز وخاصة إذا كان الحجز المطالب به غير ثابت فإن المشرع خول للمدين إمكانية الاعتراض على هذا الحجز من خلال ما يعرف بدعوى رفع الحجز والتي يرفعها المحجوز عليه ( المدين) ضد الحاجز ( الدائن) للحصول على الحكم ببطلان الحجز وتتعلق هذه الدعوى بالحق في التنفيذ وبمحل الحجز أو بإجراءاته .
هذا بالإضافة إلى إمكانية رفع، دعوى استعجالية لرفع الحجز التحفظي الذي استمر مدة طويلة مع تقاعس الدائن عن استخلاص دينه حيث يعتبر ضررا يتعين رفعه.
ب-دعوى استرداد المنقولات المحجوزة
يمكن تعريف دعوى استرداد المنقولات بأنها تلك الدعوى التي ترفع من الغير، يطلب فيها الحكم له بملكية المنقولات المحجوزة كلا او بعضا أو تقرير حق عيني آخر عليها ووفق التنفيذ نظرا لبطلان إجراءات الحجز بسبب عدم توافر الشروط اللازمة والمتعلقة بالمال المحجوز وتلك الخاصة بأطراف ذلك الحجز .
وتجنب الإشارة إلى أنه تم وضع هذه الإمكانية نظرا لكون ملكية المنقول تخضع لقاعدة " الحيازة في المنقول سند الملكية" وبالتالي فإن التنفيذ يمكن أن يقع على أي منقول يوجد في حيازة المدين من قبل الدائن ونظرا لكون هذه المنقولات قد تكون مملوكة للغير ولا يتوفر المدين بصددها إلا على حق شخصي بمعنى أن ملكيته تعتبر ملكية ناقصة تقتصر على الاستغلال دون التصرف كأن يكون مستأجرا أو مستعيرا لها ، إذ أنه في هذه الحالات يكون الحجز التحفظي عليها في غير محله نظرا لاختلال شرط من شروطه الأساسية وهي ملكية المال المحجوز من قبل المحجوز عليه .
إلا أنه نظرا لأن المشرع قد نظم أحكام هذه الدعوى في الفصل 468 ق م م الوارد في الفرع الثاني الذي يحمل عنوان الحجز التنفيذي فالسؤال الذي يطرح ويبقى مطروح هو مدى إمكانية تطبيق مقتضيات هذه المادة على الحجز التحفظي
الحجز التحفظي في القانون المغربي
(الجزء:3)
الفقرة الثانية : الصعوبات في التنفيذ
تعرض المشرع للصعوبات في تنفيذ الأحكام القضائية في الفصول 26 و 149 و 436 و 468 و491 من ق م م ويميز عادة بين الصعوبات الوقتية التي لا تتعلق بجوهر النزاع (أولا) والصعوبات الموضوعية التي تعترض أمام المحاكم التي أصدرت الحكم المتعرض على تنفيذه ( ثانيا)
أولا : الصعوبات الوقتية أو الاستعجالية
الصعوبات الوقتية في التنفيذ هي المنازعات التي يثيرها الأطراف لهم أو المحكوم عليهم، او العون المكلف بالتنفيذ بهدف إيقاف عملية وإجراءات التنفيذ، وقد نظمها المشرع المغربي في الفصلين 149 و 436 من ق م م .
ويشترط لقبول الصعوبات الوقتية ضرورة توفر عنصر الاستعجال وترجع أهمية هذا الشرط في كونه يهدف إلى تجنب المحكوم عليه الآثار السلبية التي تمس بمصالحه إذا تم تنفيذ الحكم الصادر ضده ويبقى إثبات توفر عنصر الاستعجال واقفا على منبر الصعوبة .
إضافة إلى عدم المساس بالجوهر ( الفصل 152 من ق م م) وقد جاء قرار للمجلس الأعلى :" لما كان الأمر يتعلق الصعوبة في التنفيذ فإن رئيس المحكمة المختص يتخذ إجراء مؤقتا أو تحفظيا لا يمكن بموضوع النزاع يتمثل في وقف التنفيذ مؤقتا الاستمرار فيه إلى حين صدور الحكم بشأنه موضوعيا .... "
كما يجب أن تكون الصعوبة جدية ( الفصل 436 من ق م م ) بسبب مقتضيات هذا الفصل ينبغي أن يقوم رئيس المحكمة بتقدير مدى جدية الصعوبة في التنفيذ التي يثيرها إما المنفذ له، أو المحكوم عليه، أو العون المكلف بالتبليغ او التنفيذ .فإذا تبين له أن الادعاءات التي تقدم بها مثير الصعوبة لا تهدف إلا إلى تعطيل التنفيذ والمماطلة والتسويف والمساس بالشيء المقضي به ، فإن الرئيس يقوم والحالة هذه بصرف النظر وعدم الاستجابة للادعاءات المذكورة أما إذا اتضح أن الصعوبة جدية قام بإيقاف التنفيذ.
ويتعين أن نشير إلى أن القضاء في بعض قراراته يميز بين إيقاف التنفيذ والصعوبة في التنفيذ مما جاء في هذا الإطار :" وحيث إن هناك اختلاف بينا وأساسيا بين الأساس القانوني للصعوبة في التنفيذ وإيقاف التنفيذ وحيث إن الأحكام بالنفقة إن كانت مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون ولا يمكن إيقاف تنفيذها طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 147 من ق م م فإن ذلك لا يمنع من تقديم طلب الصعوبة في التنفيذ بشأنها في حالة ما إذا كانت هناك أسباب جدية يمكن اعتمادها بتقديم هذا الطلب ".
وبخصوص الجهة المختصة بالنظر في صعوبات التنفيذ الوقتية يتعين الرجوع إلى الفصول 149 و 436 و 468 و 491 من ق م م إذ يمكن التوصل إلا أن المشرع يمنح الاختصاص بالبث في الصعوبات التي تعترض التنفيذ والمتميزة بالطابع الاستعجالي لرئيس المحكمة الابتدائية.
ويختص رئيس المحكمة الابتدائية قبل مباشرة إجراءات التنفيذ وحده بصفة قاضي للمستعجلات بالتالي الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم كلما توفر عنصر الاستعجال
( الفصل 149 ق م م )
أما إذا تعلق بإثارة الصعوبات بالبدء في التنفيذ أو أثناءه ففي هذه الحالة فإذا أثار الأطراف صعوبة واقعية او قانونية لإيقاف تنفيذ الحكم أو تأجيله أحيلت الصعوبة على الرئيس من لدن المنفذ له او المحكوم عليه أو العون المكلف بتبليغ أو تنفيذ الحكم القضائي ويقدر الرئيس ما إذا كانت الادعاءات المتعلقة بالصعوبة مجرد وسيلة للمماطلة والتسويف ترمي إلى المساس بالشيء المقضي به حيث يأمر في هذه الحالة بصرف النظر عن ذلك وإذا ظهر أن الصعوبة جدية أمكن له أن يامر بإيقاف التنفيذ إلى أن يبث في الأمر .
فيلاحظ إذن أن الفصل 436 يفتح المجال أمام عدة أشخاص هم المنفذ لهم ، أو المحكوم عليهم أو العون للتقدم بالطلب الرامي إلى وقف التنفيذ لوجود صعوبة واقعية او قانونية في عملية أو إجراءات التنفيذ أما الفصل 149 فجاء عاما وغن كان تفسيره يحصر التمسك بالصعوبات المؤقتة على المحكوم عليهم فحسب .
ثانيا : الصعوبات الموضوعية
نظم المشرع المغربي الصعوبات الموضوعية في التنفيذ بمقتضى الفصل 26 من ق م م الذي جاء فيه :" تختص كل محكمة مع مراعاة مقتضيات الفصل 149 بالنظر في الصعوبات المتعلقة بتأويل أو تنفيذ أحكامها او قراراتها وخاصة في الصعوبات المتعلقة بالمصاريف المؤداة أمامها ,
لا تستأنف الاحكام الصادرة طبق الفقرة السالفة إلا إذا كانت الاحكام في الدعاوى الأصلية قابلة للاستئناف ".
الصعوبات الموضوعية هي النزاعات التي يثيرها الأطراف أو الغير قبل التنفيذ او التي يثيرها الأطراف او الغير أو عون التنفيذ أثناء التنفيذ بإجراءاته وبوقائع حدثت بعد صدور الحكم بحيث لو صح لأثرت في التنفيذ ونتج عنها إيقافه أو تأصيله .
وتثار هذه الصعوبات الموضوعية امام محكمة الموضوع قبل مباشرة إجراءات التنفيذ في غالب الأحيان وذلك لأن الصعوبات الوقتية هي التي يتمسك بها قبل التنفيذ وأثناءه أما بعد تمام التنفيذ فلا الصعوبات الوقتية ولا الموضوعية يمكن أن تكون موضوعا لإثارة أمام الجهة المختصة .
وبعد النظر في صعوبات التنفيذ الذي أنيط بالمحاكم طبقا للفصل 26 ق م م مقتضى تشترك فيه كل المحاكم بالمملكة ، وهو ما يجعل البث في هذه الصعوبات معهودا للمحكمة التي أصدرت الحكم سواء كانت ابتدائية أو استئنافية أو تجارية أو إدارية أو محكمة استئناف تجارية .
ويجب الأمر بإيقاف إذا تعلقت الصعوبة المثارة بمحتوى وذاته القطعة الأرضية موضوع الحكم الذي يجب تنفيذه لكن قوة الشيء المقضي به في مادة الحيازة تفرض نفسها على
قاضي المستعجلات الذي يجب عليه أن يحيل الطرف الذي حصل على الطرد على الجهة المختصة قصد تأويل الحكم بدلا من أن يشعره بإقامة دعوى الملكية .
وفي هذا الإطار قد تثار دعوى الاستحقاق الفرعية بمناسبة إجراء حجز تنفيذي على الأصل التجاري بعدما حصل البائع صاحب الامتياز أو الدائن المرتهن على حكم القاضي ببيعه ، او الدائن العادي بعدما يكون بيده حكم نهائي بالأداء ليتم بيعه بالمزاد العلني، نظرا إلى طبيعة بعض الأصول التجارية ( مصانع ، مطاحن ... ) التي تتطلب مجموعة من الأجهزة التي يتم توريدها وتأجيرها في إطار عملية الائتمان الإيجاري فيكون المدين المنفذ لديه غير مالك لها، فإجراء الحجز عليها سيلحق أضرار بمالكيها باعتبارهم ليسوا أطرافا في الحكم المراد تننفيذه لأجل ذلك وجدت مقتضيات المادة 468 وما يليها من ق م م لحماية هؤلاء الأغيار عن طريق دعوى الاستحقاق الفرعية أمام قضاء الموضوع داخل أجل 8 أيام ابتداء من يوم صدور الأمر .
هذا إلى جانب دعوى بطلان الإجراءات المسطرية للتنفيذ المرفوعة إلى محكمة الموضوع والرامية إلى بطلان إجراءات التنفيذ التي لم تحترم الشكل القانوني المسطر وقد يتعلق الأمر بالإخلالات التي تشوب مسطرة الحجز أو الإجراءات المسطرية للاستدعاءات والإشهار، كما قد تتعلق بالحكم القضائي نفسه.
خاتمـــــــــــة :
بعد مقاربة هذا الموضوع يتضح ان المشرع قد سعى إلى توفير حماية وحصانة مهمة للدائن من خلال محاولة الحفاظ على الضمان العام لمدينه عبر مؤسسة الحجز التحفظي واكتمال هذا الضمان بإمكانية تحول الحجز التحفظي إلى تنفيذي وما يشكل ذلك من أهمية في استيفاء الدائن لدينه ، كما يتم التنويه بالمشرع المسطري وذلك من خلال جعله إمكانية ترتيب الحجز التحفظي شاملا للمنقول والعقار.
إلا أنه ومع ذلك فهناك العديد من النقاط التي تتطلب تدخل تشريعي كما هو الشأن بالنسبة للأوصاف الحق الذي يحجز من أجله حجز تحفظيا والتي أتت غامضة الشيء الذي أدى إلى تضارب المواقف بصددها من أجل ضمان حماية أخرى لطرف المدين الذي قد يكون ضحية للحجز التحفظي وبالتالي غل يده عن التصرف في ماله . بالإضافة إلى مراجعة الأموال التي لا تقبل الحجز والتي أصبحت تتطلب تدخلا تشريعيا لجعلها مسايرة للتطور الذي عرفته الحياة اليومية.