الصلــــــــــــــح الزجـــــــــــري
دراسة للمادة 41 من قانون المسطرة الجنائية الجديد
مقدمة
الاطمئنان للعدالة الجنائية والثقة في نجاعتها حسب المنظور المعاصر والحديث اعتماد قنوات جديدة لحل النزاعات خارج الإطار الكلاسيكي ( مرحلة ما قبل المحاكمة – المحاكمة – تنفيذ العقوبة ) من خلال اعتماد أسلوب التسوية الودية عبر إجراء مصالحة بين أطراف الخصومة المباشرين، وهي وسيلة تؤدي إلى سد باب الشقاق بصفة نهائية من خلال جبر الضرر وبتر روح القصاص من نفسية الضحية. وقد حصر المشرع هذا الإجراء في جرائم بسيطة مع تقيد هذا التدبير بموافقة الأطراف بمحضر رسمي قبل المصادقة عليه من طرف رئيس المحكمة أو من ينوب عنه .
وسوف نحاول من خلال هذه الدراسة تناول إجراء الصلح كمستجد بقانون المسطرة الجنائية. مع الوقوف عند ماهيته ومسطرته من خلال المنهج الآتي :
المبحث الأول : ماهية الصلح
المبحث الثاني : مضمون الصلح
المبحث الأول : ماهية الصلح
نتناول في هذا الفصل دراسة مفهوم الصلح كما حددته المادة 41 ق.م.ج. وتحديد المرجعية القانونية لهذا الإجراء، والغاية من استحداثه ومسطرة إنجازه مع إبداء بعض الملاحظات على ضوء ما عرفته بعض التجارب القانونية والقضائية المقارنة كلما اقتضت ضرورة البحث ذلك .
أولا : مفهوم الصلح :
يعتبر مبدأ الصلح أو المصالحة من التقاليد النافذة في التراث الديني والثقافي المغربي، حيث كان رب القبيلة أو رب الأسرة يلعب دور الوسيط في حل النزاعات العائلية والمالية والفلاحية التي تنشأ بين أفراد الأسرة أو القبيلة .
وأسوة بالعديد من التشريعات المقارنة عمد المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية الجديد إلى تبني مبدأ الصلح بالمادة 41 من ق.م.ج كآلية حديثة وحضارية لاستبدال العقوبة السالبة للحرية ولفض النزاع قبل تحريك الدعوى العمومية، وتكمن إيجابيات هذه المسطرة في النقط الآتية :
1- تخفيف العبء على المحاكم وربح الوقت
2- جعل القضاء يركز مجهوده على القضايا الأساسية
3- محاربة البطء في البت في القضايا خاصة منها ما يرتبط بحرية الأفراد
4- تطويق النزاعات القائمة بخصوص بعض الجرائم المحدودة
5- تخفيف الاكتظاظ الذي تعاني منه السجون
6- تحقيق نوع من التوازن بين حقوق الإنسان وحقوق المجتمع .
ويكمن موضوع الصلح القضائي في مراجعة أطراف النزاع بمحض إرادتهم أو باقتراح من النيابة العامة وكيل الملك أو نائبه لفض النزاع بشكل حبي مع توثيق الصلح بمحضر رسمي، وما من شك في أن هذا الإجراء يوطد العلاقات الإنسانية بدل إقامة الدعوى العمومية التي قد تنتهي بإدانة أحد الأطراف مما يكرس البغضاء والحقد في النفوس وعدم رضى المحكوم عليه بالعقوبة .
ثانيا : المرجعية القانونية لمسطرة الصلح
سبقت العديد من التشريعات المقارنة المشرع المغربي في الأخذ بمسطرة الصلح من ذلك التشريع البلجيكي والأمريكي والمصري والفرنسي، وهكذا عمد المشرع المصري، بمقتضى التعديل الذي أدخل على قانون الإجراءات الجزائية لسنة 1998، إلى اعتماد مسطرة الصلح في الجنح والمخالفات المعاقب عليها بالغرامة فقط؛ أما القانون الفرنسي فقد أخذ بمسطرة الصلح بموجب القانون رقم 515-99 الصادر في 23 يونيو 1999 في المادة 41 من ق.م.ج.حيث ورد في الفقرة 5 من المادة السالفة الذكر ما يلي :
« s’il lui apparaît qu’une telle mesure est susceptible d’assurer la réparation du dommage causé à la victime, de mettre fin au trouble résultant de l’infraction ou de contribuer au reclassement de l’auteur des faits, le procureur de le République peut, préalablement à sa décision sur l’action publique, directement ou par délégation :
5°- Faire procéder, avec l’accord des parties, à une mission de médiation entre l’auteur des faits et la victime… »
ويمكن القول إن المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية المغربي خرجت من رحم المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسية لا من حيث الطابع الاختياري لمسطرة الصلح وسلطة النيابة العامة بشأنها أو مصادقة المحكمة في النهاية على مقرر الصلح، باستثناء ما نص عليه المشرع الفرنسي من منح طرف أجنبي مباشرة مسطرة الصلح وهو ما لم تأخذ به المادة 41 موضوع الدراسة .
وعموما فمسطرة الصلح هي من وحي إحدى الآليات البديلة لفض النزاعات والتي ما فتئت تأخذ لها مكانة متميزة في فض النزاعات ويتعلق الأمر بالوساطة، إذ بدأت تترسخ نظرة عالمية جديدة تتمثل في إيجاد ميكانيزمات بديلة – خارج الإطار التقليدي للقضاء والمحاماة – تساهم في حل النزاعات والتخفيف على المحاكم، وقد أعطت نتيجة إيجابية في عدد من بلدان العالم سيما أن المؤتمر العاشر لهيئة الأمم المتحدة المنعقد بفيينا سنة 2000 ناشد الدول لإيجاد آليات للعدالة التصالحية بين الأطراف، كما أن التشريعات المقارنة، المشار إلى بعضها أعلاه، كرست في قوانينها هذه المسطرة؛ فمن الدول من أسند هذه الصلاحية للنيابة العامة، ومنها من أسندها للقضاء، ومنها من أسندها إلى أشخاص محايدين يتم تعيينهم وفق مسطرة خاصة .
ثالثا : الصلح في التشريع المغربي
إن المقتضيات القانونية التي توجب أو تجيز اعتماد مسطرة الصلح كثيرة، سواء تعلق الأمر بقوانين الشكل أو بقوانين الموضوع بدءا بالقوانين الجنائيــــة والمدنية وانتهاء بالقوانين المنظمة لبعض المهن الحرة .7
1- الصلح في القوانين الجنائية :
إذا كانت القوانين الجنائية كلها من النظام العام و لا يملك الأطراف صلاحية تحديد نطاقها للاضطراب الاجتماعي الذي قد تخلقه، فإن المشرع في جرائم معينة و نظرا للطابع الاجتماعي و الأسري الذي يهيمن عليها سمح للأطراف بإبرام مصالحة بشأنها يترتب عنها وضع حد للمتابعة، و من أهم هذه الجرائم الواردة في القانون الجنائي قضايا إهمال الأسرة ( الفصل 481 من ق.ج )، الخيانة الزوجية ( الفصل 491 من ق.ج ) والسرقة بين الأقارب ( الفصل 535 من ق.ج ) فهذه الجرائم لا تحرك المتابعة بشأنها إلا بناء على شكوى من المجنــي عليه و يؤدي التنازل عن الشكاية إلى انقضاء المتابعة وسقوط الدعوى العمومية .
إلى جانب القانون الجنائي هناك قوانين جنائية خاصة تنص على إمكانية إبرام الصلح بين الطرف المتضرر من الفعل وبين الجاني الذي يتابع من أجل ما اقترفه . فالمشرع في هذه القوانين اعتبر أن الأمر يتعلق بخر وقات للقانون سببت أضرارا مادية ومالية للمشتكي ولذلك منح لهذا الأخير حق إبرام المصالحة بشأنها، كما هو الحال بالنسبة للمخالفات الجمركية واحتكار التبغ ومخالفة قانون السير والقانون المنظم للصيد البحري .
2- الصلح في القوانين المدنية :
يعتبر الميدان المدني الأصيل لأعمال الصلح فهناك مقتضيات مدنية توجب اللجوء إلى الصلح، ومقتضيات مدنية أخرى تجيزه فقط .
وهكذا يمكن إيجاز المقتضيات المدنية التي توجب الصلح في مقتضى الفصل 212 من ق.م.م المتعلق بمحاولة التصالح عند تقديم مقال التطليق لدى المحكمة أو عند تقديم مقال الطلاق من طرف الزوج لدى السيد قاضي التوثيق (المادة 48 من م.ح.ش)،
وفي القضايا الاجتماعية نص الفصل 277 من ق.م.م على وجوب إجراء محاولة التصالح بين الأطراف من قبل القاضي قبل البت في النزاع وفي قضايا الكراء المعد للاستعمال التجاري والصناعي نص الفصل 27 من ظهير 24 ماي 1955 على إجبارية الصلح، كما نص ظهير 2 أكتوبر 1984 المتعلق بالتعويض عن حوادث السير في المادة 18 على ضرورة لجوء شركة التأمين لمحاولة المصالحة بينها وبين المطالبين بالتعويض .
إلى جانب هذه المقتضيات التي أوجبت مسطرة الصلح هناك مقتضيات قانونية أجازت اللجوء إلى الصلح، منها قانون التحفيظ العقاري ظهير 12 غشت 1913 الذي نص في الفصل 31 منه على إمكانية دعوة المحافظ لكل من المتعرضين وطالبي التحفيظ لإجراء الصلح وتحرير محضر بذلك في حالة نجاحه، وإذا فشل الصلح وجه المحافظ الملف إلى المحكمة. كما نص القانون رقم 99-06 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة طبقا للمادتين 86 و87 على إمكانية إبرام مصالحة بخصوص المخالفات الواردة في أحكام الباب السابع من القانون المذكور.
3- الصلح في المهن الحرة :
( الظهير المنظم للحسبة ) نص الفصل 63 من ق.م.م على اعتماد الخبير الذي تنتدبه المحكمة للاستئناس برأيه في نقطة ذات صبغة تقنية على اعتماد الصلح قبل إنجاز المهمة المسندة إليه ويتعين عليه الإشارة في تقريره المرفوع للمحكمة على إجراء محاولة الصلح أو تعذرها .
وأخيرا نصت المادة 10 من الظهير الشريف رقم 1.01.298 الصادر بتاريخ 9 دجنبر 2001 بشأن إحداث ديوان المظالم على قيام هذا الأخير بكل المساعي الحبية للتوفيق بين المتظلمين والإدارة استنادا لقواعد القانون ومبادئ العدل والإنصاف .
المبحث الثاني : مضمون الصلح
تعرضت مسطرة الصلح التي خولها المشرع بمقتضى المادة 41 من ق.م.ج للنيابة العامة وفي مرحلة لاحقة للمحكمة للمصادقة على مقرر الصلح، للعديد من الانتقادات . وما من شك في أن تجاهل مزايا هذا التدبير لن يثني القائمين على النيابة العامة على تجاوز كل الصعاب التي قد تعترض تطبيق هذا المقتضى الحضاري والإنساني الجديد والحرص على إنجاحه . وسوف نتناول في هذا المبحث العناصر التالية :
1. دور النيابة العامة في الإشراف على مسطرة الصلح
2. دور المحكمة في مسطرة الصلح
3. الجرائم المشمولة بالصلح
4. تنفيذ مقرر الصلح .
أولا : دور النيابة في الإشراف على مسطرة الصلح
أكدت المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية الجديد على الطابع الاختياري وليس الإلزامي للصلح وجعله من اختصاص النيابة العامة علما بأن القانون الجديد حافظ لها على اختصاصاتها التقليدية في حماية المجتمع وإقامة الدعوى العمومية واستعمال حق الملائمة، كما سمح فقط بالمصالحة في بعض القضايا للحفاظ على علاقات الاستقرار الاجتماعي . ويتوفر قاضي النيابة العامة على سلطة تقديرية في التحري والبحث عند مباشرته لإجراء الصلح، وهو بهذه الصفة لا ينصب نفسه مكان أطراف النزاع بل يقترح ولا يلزم، كما أنه يوضح ويفسر ولا يمارس أي ضغط .
وتجب الإشارة إلى أن القانون المقارن لم يجمع على منح الاختصاص في مسطرة الصلح للقضاء الجالس لأن الغاية من اعتماد الصلح هي التخفيف على قضاة الحكم والحد من تراكم الملفات والقضايا .
وقد أحسن المشرع المغربي صنعا رغم التخوفات التي أبداها البعض حول اختصاص النيابة العامة بهذا التدبير 8للاعتبارات الآتية :
1- أن الجهة الوحيدة التي تملك الدعوى العمومية هي النيابة العامة
2- تفعيل مبدأ ملائمة المتابعة الذي يعد مبدأ أخذ به المشرع المغربي منذ سنة 1959 إلى الآن .
وعموما، فمسألة الوقت وتدبيره حتى تتمكن النيابة العامة من الإشراف الجيد على الصلح مسألة نسبية لأنه من المفروض قبل اعتبار تقييم الزمن الانطلاق من مبدأ اختيارية المصالحة وفي قضايا معينة وليس كلها، كما أن إشكالية الاكتظاظ في الملفات المعروضة على قضاء الموضوع وبطء إجراءات التقاضي لا ترجع في الواقع إلى كثرة الملفات بقدر ما تعود إلى مشاكل إجرائية ترتبط بتجهيزها والإسراع بالبت فيها .
كما أن مقررات الصلح التي تحال على غرفة المشورة لا تتم إلا بإشعار فوري يوجه للأطراف وإخطارهم بتاريخ الجلسة الأولى التي سوف يعرض فيها على خلاف ما لو تم عرض ملف النزاع بالطريقة العادية على المحكمة وما قد يستغرقه من وقت للفصل فيه .
ولا تعتبر مسطرة الصلح مسقطة للدعوى العمومية بل موقفة لها فقط حيث يمكن للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية في حالتين :
1 – تراجع المشتكى به عن تنفيذ مقرر الصلح المصادق عليه
2 – ظهور أدلة جديدة لم تعرف من قبل تقتضي تحريك المتابعة .
وعموما، فالغاية المثلى من مراجعة القضاء لا تكمن في إصدار الأحكام، بل في تحقيق العدالة من خلال العمل على تغليب جانب السماحة والعفو على منطق الانتقام والعقاب .
وسوف نحاول في الفصل الثاني الوقوف على دور المحكمة في تفعيل مقرر الصلح وتنفيذ الاتفاق الصلحي بين أطرافه .
ثانيا : دور المحكمة في مسطرة الصلح
ورد في المادة 41 من ق.م.ج ” يحيل وكيل الملك محضر الصلح على رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق عليه بحضور الأطراف بغرفة المشورة بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن “.
قبل الحديث عن هذا الدور تجدر الإشارة إلى أن تخوفات تم التعبير عنها بخصوص دور رئيس المحكمة أثناء مناقشة مشروع قانون المسطرة الجنائية مفادهــا ” أنه في الوقت الذي كان فيه مكتب وكيل الملك والرئيس والنواب يتوفر على نوع من الحرمة فإن مسطرة الصلح سوف تعطي فرصة لبعض الأشخاص الذين يسترقون السمع أن يركبوا محاولات دنيئة للمس بسمعة القضاء، وهو ما من شأنه المس بحرمة جهاز العدالة بفتح المجال لنوع من المزايدات “9
يمكن القول إن حدة مثل هذه التحفظات ستخف بمجرد ما أن يتم تفعيل مسطرة الصلح والشروع في تطبيقها، ذلك أنها ثلاثية الأطراف لا تباشر بالفرض والإجبار بل بناء على توافق إرادة المشتكي والمشتكي به ووكيل الملك، ويحرص هذا الأخير وبعده المحكمة في جميع الأحوال على حماية النظام العام والأخلاق الحميدة، إذ لا يمكن أبدا تصور انسياق جهاز العدالة مع رغبة الطرفين في حالة ما إذا كانت الجريمة خطيرة، ذلك أن المشرع قيد الصلح بالجرائم التي تقل عقوبتها عن سنتين مع توفر ضمانة أساسية تتمثل في ضرورة حضور الأطراف شخصيا بمفردهم أو بمؤازرة دفاعهم بناء على رغبتهم .
وبخصوص إسناد الاختصاص للمحكمة للمصادقة على مقرر الصلح ذهب البعض إلى القول إنه بهذا الإجراء لم يتم تخفيف العبء على المحاكم لكون القاضي الذي سيبت في النزاع ويصدر حكما بالإدانة أو بالبراءة سوف يكلف بالمصادقة على محضر المصالحة وفق ما انتهت إليه إرادة الأطراف، مما يفيد استمرار عرض الملفات على المحاكم وبقاء ظاهرة الكثرة والعرقلة والزمن وعدم حرق أية مرحلة من المراحل بتطبيق المادة 41 من ق.م.ج.
عموما قد يبدو هذا الانتقاد سليما للوهلة الأولى سيما وأن المحضر المنجز بالصلح أمام السيد وكيل الملك يعد من قبيل التوثيق التعاقدي الرسمي الذي لا يمكن الطعن فيه إلا بالزور، إلا أنه للجواب عليه يمكن القول إن القانون المقارن لم يعط كله الاختصاص في الصلح كاختصاص فريد للقضاء الجالس لأنه لكي يعطى هذا الاختصاص للقضاء لابد من تحريك الدعوى العمومية وهو اختصاص أصلي للنيابة العام علما بأن الاختصاص الممنوح للقضاء تمت إحاطته بضمانات وشروط تتمثل في وجوب عرض مقرر الصلح على رئيس المحكمة لكي يصادق عليه، وإذا لم تتم المصادقة عليه يصبح الصلح لاغيا، وفي ذلك تفعيل لمبدأ ملائمة المتابعة وجبر للنيابة العامة على عدم حفظ المسطرة، أما إذا نجح الصلح فإن المسطرة تحفظ بنص القانون .
من هنا نخلص، إلى أن دور المحكمة يسمح بالتوفيق بين مبادئ قانونية متعددة ومتعارضة في نفس الوقت بأسلوب مرن ومحاط بجملة من الضمانات ( المتابعة وحفظ المسطرة )، كما أن المصادقة على مقرر الصلح لا تعتبر حكما باتا ومبرما، بل هي تصديق قضائي من نوع خاص من أهدافه تطويق النزاعات والتخفيف على القضاء .
ثالثا : الجرائم المشمولة بالصلح
نص المشرع المغربي في مطلع المادة 41 من ق.م.ج. على أنه ” يمكن للمتضرر أو المشتكى به من قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة مالية لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما بمحضر ” .
إن أول ما يستنتج من منطوق هذه المادة أن الجرائم التي يمكن التصالح بشأنها تتميز في معظمها بطابعها البسيط وارتباطها بالجوانب الاجتماعية والعائلية، كما أن الإحصائيات تؤكد أن هذه القضايا تمثل صدارة القضايا المدرجة حاليا أمام المحاكم العادية من قبيل الإيذاء العمدي الخفيف، إهمال الأسرة، السرقة الزهيدة…إلخ
وإلى جانب حصر الصلح في الجنح الضبطية تتسم مسطرة الصلح بالحضورية حيث يجب على الطرفين أن يحضرا أو على الأقل المشتكي به لأن المشتكي قد يتغيب خاصة في الحالة التي يدلي فيها بتنازله .
ويمكن حصر صور الصلح التطبيقية في الحالات التالية :
أ- إما أن يتوافق الأطراف الثلاثة، أي المشتكي والمشتكي به والنيابة العامة على الصلح فيحضروا جميعهم ( الفقرة الأولى من المادة 41 من ق.م.ج. )
ب- إما أن يقترح الصلح من النيابة العامة والمشتكي ( الفقرة الرابعة من المادة 41 من ق.م.ج. )
ج- وإما أن يطلب المشتكى به سلوك الصلح، وفي هذه الحالة يكون حضوره ضروريا .
ويمكن القول، من جهة، بخصوص الجنح المعاقب عليها بالغرامة فقط والتي لا يمكن تقديم مقترفيها إلى النيابة العامة متى ارتكبت لوحدها، أن ما يلاحظ في الحياة العملية هو كون المعنيين فيها نادرا ما يستجيبون للاستدعاءات الموجهة إليهم من طرف القضاء للحضور، ومن جهة أخرى أن السماح بإجراء الصلح بخصوص الجرائم المحددة في المادة 41من ق.م.ج لا يعني تساهل المشرع بشأنها لأن الصلح إجراء اختياري وليس إجباريا، كما أنه يمكن للنيابة العامة رفض الصلح إذا ما كان للجنح ارتباط بجرائم أخرى مخلة بالنظام العام .
رابعا : تنفيذ مقــــــرر الصلح
أسند المشرع للنيابة العامة مهمة السهر على تنفيذ مقرر الصلح بعد المصادقة عليه بغرفة المشورة، ويطرح التساؤل في هذا الصدد حول جزاء الإخلال بمقرر الصلح، وحول ما إذا كان الأمر القضائي يسقط الدعوى العمومية .
إن الأمر القضائي يتمتع بقوة الشيء المقضي به مادام أنه لا يقبل أي طعن فهو يصدر باسم جلالة الملك وبشكل انتهائي، ومن ثم يمكن لوكيل الملك تحريك المتابعة في حالة عدم تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها القاضي .
أما الجواب عن التساؤل الثاني فهو أن الصلح لا يؤدي إلى سقوط الدعوى العمومية بل إلى إيقافها فقط بصريح المادة 41 من ق.م.ج. فإذا ما ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية يمكن للنيابة العامة تحريك المتابعة رغم مقرر الصلح ما لم يطل التقادم المسقط الجريمة موضوع المقرر الصادر.
الخلاصــــــــة :
إن مسطرة الصلح آلية حضارية لتربية النفس على التسامح وتجاوز شائبة الخطأ ودافع الانتقام والقصاص في السلوك الإنساني، وما من شك في أنه إذا ما تم تطبيق مقتضى المادة 41 من ق.م.ج. التطبيق الصحيح وتفعيلها التفعيل السديد سيكون له الأثر الإيجابي على تصريف القضايا وتدبير النزاعات أمام القضاء وإعفائه من الانشغال في نزاعات تكلفه الكثير من غير جدوى