ورد في حيثيات حكم إدارية فاس عدد915-2006 ما يلي: "وحيث لئن كان الإضراب حق دستوري ومشروع إذا تمت ممارسته للضوابط المشار إليها أعلاه فان من حق الإدارة الاقتطاع من الأجر طيلة المدة التي تغيب خلالها المدعي لممارسة الإضراب لأن واجبات الموظف أداء العمل مقابل المرتب الذي يتقاضاه إذ أن القاعدة المسلم بها أن كل حق يقابله واجب"
إذن لم يعد ثمة لبس في مشروعية الإضراب خاصة بالنسبة للقطاع العام حتى على مستوى الأحكام القضائية الإدارية، والإشكال المطروح الآن بحدة يتمثل في مدى قانونية الاقتطاعات التي بدأت الإدارة تلجأ إليها لردع الموظفين عن ممارسة حقهم الدستوري في ممارسة الإضراب دفاعا عن مطالبهم المشروعة .وللإشارة فهذه الاقتطاعات تشكل أخطر تعد على حق الإضراب المكفول دستوريا باعتراف الإدارة نفسها .
والحجة التي تتذرع بها الإدارة هاهنا باطل في صورة حق وتتمثل في القول بأن الأجر مقابل العمل الفعلي ، وهو ما عبر عنه في الحكم المشار إليه أعلاه بأداء العمل مقابل المرتب أو الحق مقابل الواجب.
فهل هذا المبدأ يعرف حقا الاطراد والثبات دائما؟ أليست ثمة استثناءات ترد على هذا المبدأ العام؟
أولا :الجواب : نعم ، فهناك العديد من الاستثناءات التي تضيق هذا المبدأ العام قررها المشرع الهدف منها حماية الأجر الذي يتقاضاه الأجير ومنها:
1- حالات التغيب القانونية التي نص فيها القانون على استمرار الأجر مثل التغيبات القانونية لمندوبي العمال والمستشارين الاجتماعيين .
2- التغيبات بسبب أحداث عائلية : ولادة ، وفاة ...
3- التغيبات المأذونة.
4- حالات المرض وإجازة النفاس والولادة.
وفي مثل هذه الحالات يتحول الأجر إلى تعويض يدفعه الضمان الاجتماعي أو شركات التأمين أو المشغل حسب الأحوال.
5- حالات العطل والأعياد التي تصل إلى 13 يوما في السنة.
6- العطلة السنوية المحددة في مدة شهر {الفصل 40 من ظ 24-2-1958}
....الخ.
وهنا نتساءل : هل من المنطقي قانونا وواقعا أن يؤدى عن كل هذه الحالات بغض النظر عن مبدأ العمل مقابل الأجر ولا يؤدى عن حالة الإضراب على الرغم من أنها تمثل حقا دستوريا. كما أنها تهدف في نهاية المطاف إلى خدمة المرفق العام عن طريق تحسين ظروف العاملين فيه. ؟ أليس أساس إصلاح المرفق العام هو الموارد البشرية القائمة عليه ؟ثم أليس الكون كله مسخر لخدمة الإنسان ؟ كيف يكون المرتفق إنسانا يجب احترام رغباته ولا يكون العامل بالمرفق العام كذلك؟
بذكر هذه الحالات التي يختفي فيها العمل بمبدأ الأجر مقابل العمل ينقشع الغبار وتسقط الحجة من جديد بيد الإدارة، وينتصب الحق واقعيا ودستوريا.
ثانيا : إن مبدأ الأجر مقابل العمل على إطلاقه مكرس بالفعل في القطاع الخاص عكس القطاع العام . والسبب يرجع إلى اختلاف طبيعة العلاقة القانونية التي تجمع بين طرفي العمل سواء في القطاع الخاص أو في القطاع العام وذلك وفق النحو التالي :
إن العلاقة بين طرفي العمل في القطاع الخاص تكيف بكونها علاقة تعاقدية أساسها القانوني هو مبدأ العقد شريعة المتعاقدين ؛ ولذلك لا يؤدى فيه عن أيام العطل وأيام الإضراب.
في حين أن العلاقة بين طرفي عقد العمل في القطاع العام تكيف بوصفها علاقة نظامية يخضع كلا طرفيها فقط للقانون وفق مبدأ الكل يجب أ، يذعن للقانون وهذا أهم مبررات وجود ما يسمى بالقضاء الإداري.
-ورغم عدم مشروعية الاقتطاع فإنها تمارس كذلك وفق مسطرة غير قانونيـة لا تحترم فيها الإدارة المسطرة كما هي قانونا ، وهنا نشير إلى أن الاقتطاع بمثابة حجز ما للمدين لدى الغير ؛ وهو دفع موضوعي يشكل طلبا موضوعيا وليس استعجاليا. وهو ما لا يتم احترامه.
الدكتور عبد العظيم احميد
منتدب قضائي اقليمي
31/7/2008