الناصري وزع حزما من الخشب في ثاني خروج تلفزيوني مباشر له في أقل من شهر
من قاده حظه، أول أمس (الأربعاء)، إلى متابعة برنامج نقط على الحروف على القناة الثانية، سينتهي بخلاصة أساسية مفادها أن وزير العدل مسح الحروف والنقط كلها بممحاة خشبية كبيرة وأعاد السبورة، من جديد، إلى بهاء السواد.
هناك احتمال من ثلاثة لا رابع لها:
- إما أن إدريس بناني، منشط البرنامج، من طلب مرور الناصري في برنامجه، وهذا خطأ مهني، لأنه لا يجوز أن يُستضاف مسؤول حكومي في قناتين تابعتين لقطب إعلامي واحد في أقل من شهر، إلا في حالة سياق قاهر يصبح الإنصات إليه فرض عين.
- وإما أن الناصري من طلب مرورا إعلاميا، لغرض ما، في قناة عمومية، في هذا الوقت بالذات، وهو أمر مستبعد لمعرفتنا الجيدة بأخلاق الرجل "مايديرهاش".
- وإما أن الضيف كان ضمن لائحة الضيوف المبرمج استدعاؤهم هذا الموسم في "نقط على الحروف"، وقد كان له ذلك دون زيادة أو نقصان.
لكن في كل الاحتمالات الممكنة والمتخيلة، فقد حمل الرجل معه، أول أمس (الأربعاء)، غابة من الخشب، لم تنفع معها المناشير الكهربائية لحقوقي ومحام ورئيس جمعية متمرس مثل عبد العزيز النويضي الذي خرج من البرنامج بلا "حمص"، أو حتى ضربات الفؤوس الدقيقة والموجهة للزميلين إدريس بناني ويونس دافقير (الأحداث المغربية)، فكلما حاولا الغوص أمتارا إلى عمق الموضوع، عاد بهما الناصري إلى السطح مثل سباح ماهر يجيد مجاراة مياه الأسئلة الراهنة التي يسل منها نفسه، كما تسل الشعرة من العجين.
شخصيا، لا أعرف لماذا يقبل مسؤول حكومي في قطاع حساس، مثل العدل والقضاء، تسجيل اسمه في برنامج تلفزيوني مباشر كي لا يقول أي شيء إطلاقا، وفي أحسن الأحوال يعيد على مسامعنا المواقف ووجهات النظر والمقاربات نفسها التي حفظها المهتمون والمعنيون عن ظهر قلب.
فحين يتحدث الناصري عن مشروع إصلاح القضاء وأين وصل ومتى سينتهي هذا الوجع النصفي للرأس؟ يعرف الجميع أنه سيعيد لازمة انطلاق الإصلاح وصعوبة مساراته في آن، بسبب الاختلالات البنيوية والتشريعية المتراكمة منذ عقود، ثم يمضي إلى إضفاء مسحة من التفاؤل على الموضوع، فإطلاق مشروع عصرنة وتحديث آليات اشتغال المحاكم الذي دخل حيز التنفيذ، ثم التقدم الحاصل في إصلاح المنظومة التشريعية عبر تسليم 28 مشروع قانون ومرسوم إلى الأمانة العامة للحكومة، بعضها يناقش في مجلسي النواب.
هذه الترسانة من الإصلاحات و"الكلام الكبير" سرعان ما فندها ربورتاج مواز بثه البرنامج نفسه، عكس الصورة الحقيقية لواحدة من أحدث المحاكم بالبيضاء، حيث تضرب الفوضى أعشاشها، وتطاول الملفات القضائية السقف من كثرتها، ويتذمر الموظفون من العمل المضني في شروط لامهنية، ويصاب المواطنون بالجنون من فرط انتظار أحكام تأتي أو لا تأتي، وإن أتت فانتظر الساعة حتى تنفذ.
في موضوع الفساد المالي وجرائم المال العام ومآل التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات وحدود مسؤولية وزارة العدل في تحريك مساطر المتابعة، كان منتظرا أن يعيد الناصري التذكير بالمسطرة القانونية نفسها التي صاغها أثناء استضافته في برنامج "قضايا وآراء" بالقناة الأولى، وحتى حين نبهه الزميل يونس دافقير إلى الكلفة السياسية الباهظة لملفات من هذا الحجم، وارتباط جوهرها بالحراك الجماهيري الأسبوعي المطالب بإسقاط الفساد ومعاقبة المفسدين، لم يبرح وزير العدل دائرة الجواب نفسه، لأن الأهم بالنسبة إليه، ليس إرسال الإشارات السياسية، رغم رمزيتها في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر منها المغرب، وإنما احترام المسطرة وإعمال المقتضيات القانونية، مع الإقرار بعدم وجود محاكم متخصصة في الملفات المالية.
وحتى النفس الأخير من البرنامج، لم أفقد الأمل في فتح قوس صغير من طرف الناصري لإثارة حالة الشلل التي تضرب المحاكم، هذه الأيام، بسبب إضراب النقابة الديمقراطية للعدل، وإطلاع الرأي العام الوطني على وجهة نظر واضحة في ما يجري بالضبط بين الحكومة وكتاب الضبط.
من حسن الحظ أنه وجد ضمن الحضور من نبه الوزير إلى ذلك، وذكره بأنه لا يجوز أن يمر مسؤول حكومي في برنامج تلفزيوني مباشر دون الحديث عن إضراب عام يشل القطاع الذي يشرف عليه... لا يجوز على الإطلاق.
يوسف الساكت