القضاء الإستعجالي في المادة الإدارية
مقدمة :
لأن العصر عصر السرعة أصبح ضروريا إيلاء أهمية قصوى للقضاء الاستعجالي ليواكب هذا التطور، من هنا تظهر أهمية القضاء الاستعجالي في مواكبة التحديات لكن قبل الخوض في هذه الأمور ، لابد أن نلقي نظرة على التطور التاريخي للقضاء الاستعجالي.
يعتبر بعض الفقه أن القضاء الاستعجالي اكتشاف حديث نسبيا، إذ يرجعه الفقهاء الأوروبيون إلى اجتهادات باريز في أواخر القرن السابع عشر [1] كما أن الفقه الفرنسي يربطه بالأمر المؤرخ في 22 يناير 1965 غير أن الأمر أبعد من ذلك إذ يعود إلى الإمام المارودي ( 991-1031) الذي تطرق للفكرة قبل ستة قرون ونصف في كتابه أدب الماضي "[2].
أما في المغرب فقد ظهر القضاء الاستعجالي في المسطرة القضائية لسنة 1913، وتم التطرق له في البابين الأول والثاني من القسم الخامس، غير أن العمل كان محصورا على المحاكم العصرية ولم يعمم تطبيقه في جميع محاكم المملكة إلا بعد صدور ظهير التوحيد والتعريب والمغربة ابتداء من فاتح يناير 1966 ، وهو ما تجلى في قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 الذي خص القضاء الاستعجالي بالبابين الأول والثاني من القسم الرابع، حيث أفرد الباب الأول للاوامر المبينة على الطلب والمعاينات ( الفصل 148) والباب الثاني للمستعجلات ( الفصول 149 إلى 154) [3] ثم ظهر في القانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية.
إن هذا الإطار التاريخي يبرز ودون شك تمسك جميع النظم القضائية سواء كانت متعلقة بالقضاء العادي او القضاء الإداري بالقضاء المستعجل، وهذا يرجع إلى أن الدعوى الموضوعية التي تنظر بالطرق العادية تحتاج إلى وقت غير قصير لتحقيق أهدافها والفصل فيها بحكم جائز النفاد[4].
وفي إطار الحديث عن الاستعجال في المادة الإدارية نقول إن المشرع أنشأ القضاء الاستعجالي بجانب القضاء الإداري الموضوعي لمساعدة المتقاضين وإسعافهم بإجراءات وقتية عاجلة وبمعنى آخر فهو يضمن تحقيق الحماية القضائية من الناحية الإجرائية الوقتية على أحسن وجه ممكن .
ويعرف قضاء الأمور المستعجلة عموما بأنه " قضاء يقصد به الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت فصلا مؤقتا لا يمس أصل الحق، وإنما يقتصر على الحكم باتخاذا إجراء وقتي ملزم للطرفين يقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين" وهو كذلك " فرع متميز ومستقل عن العمل القضائي العادي وعن التنفيذ القضائي وهو ذو مسطرة مختصرة واستثنائية وسريعة ومصاريف قليلة يسمح لمدع برفع دعوى استعجالية أمام قاض، يعرف بقاضي الأمور المستعجلة يختص بالبث بصورة مؤقتة ودون المساس بالموضوع في كل نزاع يكتسي صبغة الاستعجال "[5]
إن هذين التعريف يعملان في طياتهما مجموعة من الشروط والخصائص التي تميز القضاء الاستعجالي والتي يشترك فيها القضاء الإداري والاستعجالي والقضائي الاستعجالي العادي .
وهذه الشروط هي :
أولا : توفر عنصر الاستعجال
وعنصر الاستعجال يقصد به " الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي يلزم درءه عنه بسرعة لا تكون عادة في التقاضي العادي ولو قصرت مواعيده، " أو أنه " حالة من الحالات تقتضي تدبيرا فوريا يخشى إن لم يتخذ هذا التدبير حدوث ضرر لا يمكن تداركه في المستقل" وحسب منشور لوزارة العدل بالمغرب يعد استعجلا" الضرورة التي لا تسمح بتأخير أو حدوث خطر واضح إذا ما أجريت دعوى عادية في القضية "[6].
ولأنه ليس هناك تعريف دقيق للاستعجال ، فإنه يبقى للقاضي أن يستنتج الاستعجال في ظروف كل دعوى على حدة، والأمر لا يترك لمحض إرادة الخصوم ومن هنا فإن قاضي المستعجلات موكول له التحري في وجود عنصر الاستعجال من عدمه تأسيسا على مستندات الدعوى والظروف المحيطة بها. وطبيعة الحق المراد المحافظة عليه [7].
وعلى العموم يقوم الاستعجال على عدة مقومات هي : [8]
· أن يكون هناك خطر حقيقي يهدد حقا جديرا بالحماية
· أن يكون الخطر مما لا يمكن تداركه أو مما يخشى تفاقم أمره إن لم تتم مواجهته على وجه السرعة
· أن يكون الخطر عاجلا يقتضي تلافيه سلوك مسطرة استعجالية خاصة غير المسطرة القضائية العادية
كما تجدر الإشارة إلى كون الاستعجال عنصر مرن يتغير بتغير الزمان والمكان والظروف، وهو الشرط الأساسي للانتهاء إلى القضاء الاستعجالي .
ثانيا : عدم المساس بالموضوع أو الجوهر
لم يعرف المشرع المغربي عدم المساس بالجوهر او الموضوع وإنما اكتفى بالإشارة إليه في الفصل 152 من قانون المسطرة المدنية ، إذ نص على أنه :" لا تبت الأوامر الاستعجالية إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن أن يقتضي به في الجوهر".
ومفاد ذلك أنه لا ينظر قاضي الأمور المستعجلة في موضوع ولا في أصل الحق، وبمعنى آخر يترك المجال في الدعوى الإدارية المستعجلة للقضاء الوقتي بأداء وظيفة مساعدة، ولإمكانية صدور قضاء موضوعي محتمل في المستقبل ، ومن تم فالقضاء الوقتي يقوم بدوره قبل القضاء الموضوعي بمنح الحقوق قبل التأكد من وجودها عملا لإثباتها ( رجحان وجود الحق المطلوب حمايته واتخاذ الإجراء المؤقت التحفظي).
إذن فإنه يمنع على قاضي المستعجلات الفصل في كل ما يتعلق بأصل الحق[9] أي موضوع وجوهره، والمقصود به ( أصل الحق) السبب القانوني الذي يخرج عن اختصاص قاضي المستعجلات المساس به، هو السبب القانوني الذي يحدد حقوق والتزامات كل من الطرفين قبل الآخر[10] ويسمح القاضي أن ينظر في الوثائق والحجج المقدمة له بحثا عرضيا وسطحيا ويقضي بعدم اختصاصه ولا برفض الطلب . كما أنه إذا تبين للقاضي المستعجلات أن المنازعة غير جدية فإنه يعرض عنها ويقضي بالإجراء المطلوب وهذا التقدير يخضع لرقابة المجلس الأعلى .
انطلاقا من كل ما سبق وارتباطا بموضوعنا " القضاء الاستعجالي في المادة الإدارية نتساءل :
لمن يعود الاختصاص في القضاء الاستعجالي في المادة الإدارية ؟
- ما هي الإشكالات التي يطرحها الاختصاص ؟
- ما هي المسطرة المتبعة في القضاء الاستعجالي في المادة الإدارية ؟
- ما هي مميزات المسطرة في القضاء الاستعجالي الإداري؟
للإجابة على هذا الإشكال تم تقسيم الموضوع حسب التصميم، على النحو الآتي
المبحث الأول : اختصاص القضاء الاستعجالي
إن تطور المؤسسة القضائية كما وكيفا وطبيعة القضايا المعروضة عليها وحجمها ومدى أهمية كل منها فرض بطبيعته إعطاء أهمية زمنية لقضية دون أخرى، وذلك خشية فوات الأوان وصعوبة إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه خاصة إذا تعلق الأمر بهدم عقار أو إتلاف أموال .
وعلى هذا الأساس أخذ المشرع بعين الاعتبار عند إحداثه للمحاكم الإدارية مجموعة من الاختصاصات خص بها رئيس المحكمة الإدارية أو من يقوم مقامه سواء الابتدائية أو الاستئنافية أو الاختصاصات والمنوطة بها. فالمادة 19 من قانون 90- 41 أعطت الاختصاص لرئيس المحكمة الإدارية أو من ينوب عنه بوصفه قاضيا للمستعجلات والأوامر القضائية في الطلبات الوقتية التحفظية . لكن القاضي يستلهم اختصاصه من مقتضيات الفصل 148 وما بعده من قانون المسطرة المدنية ، ولهذا فإن اختصاص قاضي المستعجلات يتراوح بين الأوامر المبنية على الطلب (المطلب الأول) والأوامر الاستعجالية ( المطلب الثاني )
المطلب الأول : الأوامر المبنية على الطلب
يختص رؤساء المحاكم الإدارية الابتدائية والاستئنافية بإصدار الأوامر المبنية على الطلب على غرار زملائهم رؤساء المحاكم العادية تطبيقا للمادة 19 من قانون المحاكم الإدارية متى كانت مرتبطة بها في إطار اختصاصها العام ، كما أن الطلب يقدم وفق الشكليات المنصوص عليها في المادة 3 من قانون إحداث المحاكم الإدارية حيث يصدر الأمر معللا وفي غيبة الأطراف دون كاتب الضبط وللأطراف الرجوع إلى رئيس المحكمة كلما كانت هناك صعوبة في التنفيذ، كما أن الأمر الصادر برفض الطلب يكون قابلا للاستئناف أمام المحاكم المعنية داخل أجل 30 يوما ولعل أبرز الساحات النزاعية التي تثار فيها مثل هذه الطلبات هي ميدان الحجوز وميدان إثبات الحال أو توجيه إنذار كل ذلك سنعالجه في فقرات.
الفقرة الأولى: الاختصاص المتعلق بالحجوز .
تطبيقا لأحكام المادة 19 من قانون إحداث المحاكم الإدارية [11] وبالنظر إلى مقتضيات المادة 7 من نفس القانون التي تنص على ان القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية تطبق أمام المحاكم الإدارية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك ، فإن كثير من القضايا المتعلقة بالحجز على أموال المؤسسات العمومية والدولة تقدم إلى المحاكم الإدارية سواء من طرف الإدارة نفسها حين يسمح القانون بذلك أو من طرف الخواص الذين يعمدون إلى المطالبة باستصدار أوامر الحجز على عقارات أو منقولات الدولة أو بعض مؤسساتها سواء العامة أو شبه العامة[12] وإن كان الحجز على الأموال العامة يكاد يكون متفقا على عد عدم جوازه فإن النقاش لا زال ساريا حول الأملاك الخاصة لهاته الأشخاص إضافة إلى أموال المؤسسات شبه العمومية التي تمارس عملا تجاريا واقتصاديا
إلا أن التوجه القضائي عكس هذه النظرة وأقر بالحجز على السيارات المخصصة للتنقلات الشخصية التي ليست من قبيل الأموال العامة المرصدة لخدمة المرفق ولا يترتب عن حجزها وبيعها تعطيل المرفق [13] ، كما أن مبدأ العمل على تنفيذ الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به ضد الإدارة بالسرعة اللازمة يقابله مبدأ آخر ومضمونه حظر الحجز على الأموال العامة للدولة والأشخاص الاعتبارية العامة لضمان تنفيذ وظيفة النفع العام الملقاة على عاتقها غير أن ذلك لا يمنع من الحجز على الأموال الخاصة للمرفق التي لا يتعارض حجزها مع سيره بانتظام وأن وجود المنازعة حول طبيعة المال المحجوز وما إذا كان يدخل ضمن المال العام الغير القابل للحجز أو ضمن الأموال العامة لا يتعارض حجزها مع سيره بانتظام مع وجود عوى تتعلق بإبطال الحجز تقتضي إيقاف بيع المحجوز لغاية صدور حكم في الموضوع [14].
ونلاحظ من خلال هذه الأحكام أنه يجوز الحجز على أموال الإدارية العمومية والتي هي بطبيعة الحال تكون غير ضرورية لسير المرفق العام بانتظام واضطراد .
الفقرة الثانية : إثبات حال
تعرض بعض طلبات إصدار الأوامر المبنية على الطلبات لإثبات وقائع معينة وذلك بالمطالبة بتعيين أحد الأعوان القضائيين للانتقال إلى بعض الإدارات العمومية قصد مشاهدة بعض السجلات او الوثائق وإثبات حالاتها أو غير ذلك من الطلبات التي تقدم في هذا الإطار مع ملاحظة أن الجهة المطلوب ضدها الإجراء هي إدارة عمومية تتوفر على وثائق وسجلات توثق فيها أعمالها مما لا يخشى معه اندثار الوقائع المراد إثباتها بمرور الزمن الشيء، الذي قد يفقد كثيرا من هاته الطلبات حالة الاستعجال كما يلتمس بعض المتقاضين إثبات حال عقاراتهم لإثبات الاحتلال من طرف الإدارة علما بأن القاضي الإداري عليه أن يدقق كثيرا في هاته الطلبات قبل إصدار الأمر بها حتى لا يجابه بقاعدة القاضي يقضي ولا يدير مادام أنه يعتبر رقيبا على الإدارة وليس رئيسا لها هذا وإذا كان الفصل 148 المذكور يجيز لقاضي الأوامر انتداب أحد الخبراء لإجراء مشاهدة متى كانت الاستعانة بالخبرة مفيدة في إجراء هاته المشاهدة فإن المنطق القانوني يقتضي أن تحدد مهمة الخبير في وصف الشيء المشاهد وصفا مجردا وأنه متى كان الطلب يتعلق بتكليف الخبير قصد إعطاء رأيه واستعمال ذاتيته كأن يطلب منه تقييم ضررا وقياس مساحة وجب اعتبار الأمر خارجا عن إطار المشاهدة المجردة إلى خبرة فنية تقتضي التواجهية ولو في إطار استعجالي
وقد صدر في هذا الصدد العديد من قرارات المحاكم الإدارية ومن بينها قرار المحكمة الإدارية بمكناس [15] بحيث أن وقائع هذه النازلة تتجلى في استيلاء شيخ القبيلة ومقدمها رفقة مجموعة من الأشخاص انتهزوا غياب العارضين وهجموا على محل سكناهم واستولوا على إثنا عشر كبشا بدون سبب قانوني وحجزوها بمستودع بعين اللوح والحالة لا زالت تبعت على القلق ، ولهذا فالعارضين قبل رفع نازلتهم في الموضوع يرغبون إثبات الأضرار اللاحقة بماشيتهم من طرف طبيب بيطري وإثبات حالها والالتماس بتعيين أحد الأطباء البيطريين خبيرا للإثبات الأضرار والهزال.
ولهذا طبقا للمواد 7و 19 من قانون 90/41 والفصل 148 من المسطرة المدنية تم التصريح علنيا وغيابيا بقبول الطلب وأمر بإجراء خبرة بواسطة طبيب بيطري مع شمول الأمر بالنفاذ المعجل بقوة القانون .
الفقرة الثالثة : توجيه الإنذار
من المعلوم ان الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية المحال عليه بمقتضى المادة 7 من قانون المحاكم الإدارية ينص على أمر أن رؤساء المحاكم الابتدائية يختصون بالبث في كل مقال يستهدف الحصول على إثبات حال او توجيه إنذار أو أي إجراء مستعجل لم يرد فيه نص خاص غير أن من ممارسة ذلك ومن طرف قضاة المحاكم الإدارية يقتضي مراعاة خصوصيات القضاء الإداري وكذا وجود بعض النصوص التي توضح كيفية المراسلة مع الإدارة مما قد يضع قيدا على مثل هاته الصلاحية مع بقاء المبدأ العام المتمثل في إمكانية استصدار أوامر من رؤساء المحاكم الإدارية قصد تبليغ الإنذارات قائما [16]
أما الاجتهاد القضائي فقد يساير هذا الوضع من خلال قرارات متعددة نذكر من بينها أمر قاضي الأمور المستعجلة بالمحكمة الإدارية بمراكش[17] الذي أكد على نقط أساسية وهي :
- قضاء الأوامر المبنية على مجرد الطلب هي جزء من القضاء الاستعجالي
- اختصاص المحاكم الإدارية للنظر في دعاوى الأوامر المبنية على طلب مرتبط بانعقاد الاختصاص لها أو لا في أصل النزاع الذي تتصل به تلك الدعاوى
كما ان المحكمة الابتدائية لعين الشق الحي الحسني البيضاء في قرار لها [18] أكدت أن الإجراءات الوقتية والتحفظية المرتبطة بالدعوى داخلة في اختصاص المحاكم الإدارية من اختصاص رؤساء تلك المحاكم حسب الفصل 19 من ق ا المحاكم الإدارية
المطلب الثاني : الأوامر الاستعجالية
تجدر الإشارة إلى أن قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية يمارس هذه المهام في إطار ماله من الصلاحيات المخولة قانونا مع مراعاته خصوصيات القضاء الإداري واختصاصه في هذا الإطار مقيد بحالة الاستعجالية، الوقتية مع عدم المساس بجوهر الحق مع التأكد عن كون النزاع في الجوهر يدخل ضد اختصاص محكمته ، ويمكن إجمال الطلبات التي تعرض على قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية في الفقرات التالية.
الفقرة الأولى : الاختصاص في نقل الحيازة
إن دعوى نقل الحيازة هي دعوى استعجالية بنص القانون[19] مما لا يجوز إخضاعها للشروط اللازمة في الدعوى الاستعجالية عموما ، لكون المشرع ألزم قاضي المستعجلات بالإذن في الحيازة دون إمكانية استعمال السلطة في تقدير حالة الاستعجال [20] وأن رفض الإذن يكون فقط بسبب بطلان الإجراءات المسطرية وبالتالي على نازع الملكية إرفاق مقاله لجميع الوثائق الواردة في الفصول 8 – 9 – 10 باستثناء ما هو وارد في الفصل 14 من قانون 81/7 بخصوص إدارة الدفاع الوطني تبقى تلك الإجراءات اختيارية .
ويجب على قاضي المستعجلات فحص تلك الوثائق بكيفية جدية وأن يتحقق من سلامتها وبالتالي إمكانية البث في القضية في غيبة الأطراف وحتى أيام الأعياد والعطل بمواطنه ( م150 من قانون المسطرة المدنية ).
وهذا ما تم تأكيده من خلال عدة أحكام حيث جاء في الأول أن طلب الإذن لاجل المنفعة العامة يعد مقبولا لكونه تم احترام الإجراءات والشروط المنصوص عليها في القانون رقم 81/7 [21] والثاني أكد أن قاضي المستعجلات مكلف برقابة سلامة الإجراءات المسطرية التي يثيرها تلقائيا وكون الطلب غير شامل المستندات المنصوص عليها في الفصلين 8 – 10 يجعله غير مقبول [22]
وتجدر الإشارة في الأخير أن الأمر الاستعجالي الصادر عن قاضي المستعجلات يتمتع بحجية الشيء المقضي به ما لم تتغير الظروف كما أنه يكون مشمولا بالنفاذ المعجل الفقرة الأولى من الفصل 153 ق م م .
الفقرة الثانية : قضايا إيقاف تنفيذ الأوامر بالاستخلاص
تعرض على قاضي الأمور المستعجلة بالمحكمة الإدارية طلبات تهدف على إيقاف تنفيذ الأوامر بالتحصيل بناء على أسباب متعددة وإن كان القانون الفصل 11 من ظهير 21/8/1935 المتعلق باستخلاص ديون الدولة والذي تقابله المادة 124 من مدونة التحصيل يمنع على كل موظف من تأجيل استخلاص الضرائب المعينة والأداءات المماثلة والوجيبات أيا كان نوعها فإن القضاء المغربي أكد على عدم مخاطبة القضاء بالفصل 11 المذكور أعلاه فلهذا الأخيرة صلاحية النظر في طلبات وقف تنفيذ مسطرة الاستخلاص الضريبي في إطار القواعد العامة بالاستعجال [23].
ويشترط في طلبات وقف تنفيذ مسطرة استخلاص الضريبة المقدمة للقضاء أن تكون الضريبة المطالب بتأجيل استخلاصها منازعا فيها سواء امام الإدارة أو أمام المحاكم وأن تكون المنازعة جدية وشاملة لمبلغ الضريبة سواء تعلق الأمر بالإعفاء القانوني من أداء الضريبة أو انتفاء الصلة قطعا بالضريبة موضوع النزاع . كما أضافت مدونة التحصيل شرط سلوك التظلم الإداري أمام المحاسب المكلف بالتحصيل بخصوص المنازعة في إجراءات التحصيل أمام الإدارة المغربية متى تعلق الأمر بالمنازعة في الوعاء .
والقضاء أكد من خلال عدة قرارات صادرة عن رؤساء المحاكم الإدارية على اختصاصه وفي هذا الصدد عثرنا على أمر قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية بفاس [24] أكد على أن الطلب يستند إلى أسباب جدية تتعلق بعدم تمتيع المدعين بالإعفاء القانوني المنصوص عليه في الفقرة 4 من الفصل 7 من قانون 83/85 المنظم للضريبة على القيمة المضافة وبالتالي استبعاد صفة الملزم بالضريبة عليهما مما يكون معه الطلب مبررا كافيا لتدخل قاضي المستعجلات لقبوله في انتظار البث في موضوع الطلب المرفوع إلى هذه المحكمة
الفقرة الثالثة : إيقاف تنفيذ القرار الإداري
يعتبر هذا النوع من الاختصاص المنوط برئيس المحكمة الإدارية المعروضة أمامها القضية من أهم الطلبات المستعجلة إلا أنه قد يتبادر إلى الذهن كون طلبات إيقاف التنفيذ هي من اختصاص رئيس المحكمة وبيت فيها منفردا جون غيره من القضاة.
إن هذا النوع من الطلبات هو في الواقع من اختصاص غرفة المشورة ويبث فيه في إطار المادة 24 من قانون 90/41 الذي ورد فيه " للمحكمة أن تأمر بصفة استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى إلغائه إذا التمس منها طالب الإلغاء صراحة به فإن الهدف من هذا الطلب هو توخي أثار تنفيذ هذا القرار التي قد يتعذر تداركها في حالة قبول دعوى إلغائه [25]. هذا ما تم تأكيده من خلال قرار الغرفة الإدارية الذي جاء فيه [26] وحيث تنص المادة 24 من قانون 90/41 المتعلق بالمحاكم الإدارية على أن للمحكمة أن تأمر بصفة استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري وبالتالي فإن طلب وقف التنفيذ هو طلب مستعجل
كما أن محل طلب وقف تنفيذ القرار الإداري يجب أن يكون هو القرار الإداري الشامل لجميع مكوناته القانونية الذي يكون محل دعوى الإلغاء لكون أن سلطة المحكمة في وقف التنفيذ هي مشتقة من سلطة الإلغاء وهو ما أكدته المحكمة الإدارية بالبيضاء حيث جاء في حيتياته " وحيث أن إيقاف التنفيذ الذي يختص بالنظر في قضاء الإلغاء المنصوص عليه في المادة 248 من ق 41/90 وان ذلك مشروط بوجود طعن بالإلغاء في قرار إداري [27] هذا بخصوص القرار الإداري الإيجابي أما فيما يتعلق بالقرار السلبي فالقاضي لا يمكنه إصدار أمر بإيقافه لأنه ليس في استطاعته توجيه أوامر للإدارة وبالتالي إذا ما فعل ذلك سيكون بمثابة ترخيص منه مما يجعله يحل محل الإدارة وهذا أمر غير مرغوب فيه
وهكذا فبالإضافة إلى توفر القرار على أركانه القانونية ثم عنصري الاستعجال وعدم المساس بالجوهر نجد أن طلبات وقف التنفيذ لابد لها من توفر بعض الشروط الأخرى الخاصة بها وحدها وهي :
1-استناد وقف التنفيذ على طلب الإلغاء وهذا يعني أن طلب وقف التنفيذ هو طلب تبعي لدعوى الإلغاء باعتبار هذه الأخيرة هي الأصل وبالتالي مسألة الاقتران ضرورة لسد السبل أمام رهان التسويف والمماطلة [28] إضافة إلى أن طلب وقف التنفيذ يأخذ حكم دعوى الإلغاء ويدور معه وجودا وعدما وهذا المقتضى أكدته المحكمة الإدارية بمراكش [29] حيث جاء فيه " وثبت أن دعوى الإيقاف ما هي إلا دعوى تابعة لدعوى الإلغاء ومادام دعوى الإلغاء لم ترفع إلى هذه المحكمة فإن دعوى الإيقاف تكون معيبة شكلا ويتعين ذلك التصريح بعدم القبول كما صرحت المحكمة العليا [30] إلى عدم قبول طلب وقف التنفيذ متى أقيمت به دعوى استقلال دون أن يرتبط بطلب موضوع الإلغاء إلا وهدا يعني وجود تلازم بين الطلب ودعوى الإلغاء بخصوص ضرورة توافر نفس الشروط.
2-شروط الجدية
فلقبول وقف التنفيذ يجب أن تكون حالة الاستعجال قصوى ومشروطة كذلك بالجدية حتى لا يتخذ طالب وقف التنفيذ من طلبه وسيلة لعرقلة تنفيذ القرارات الإدارية الأمر الذي يؤثر سلبا على فاعلية العمل الإداري والذي يعد القرار الإداري وسيلته وأداته فإنه يتعين أن يكون الطلب جديا فالأسباب الجدية هي التي يؤسس عليها المدعى دعواه وتوحي لأول وهلة بإلغاء القرار المطلوب إيقافه بحيث لا يقصد مجرد عرقلة نشاط الإدارة وهو ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بمكناس والمحكمة العليا حيث جاء في حكم الأولى سنة 2003 " وحيث أن الاستجابة لطلب إيقاف التنفيذ رهينة بتوافر عنصري الجدية والاستعجال أن يكون القرار بحسب الظاهر غير مشروع وأن يترتب عن تنفيذه حدوث أضرار يصعب تداركها [31] في حين أكدت الثانية [32] يكفي لتوافر ركن الجدية أن تستظهر المحكمة بها أكثر من أوجه عدم مشروعية القرار.
وفي الأخير يحب التأكيد على أن طلب وقف التنفيذ غير مقيد بأجل ويمكن تقديمه في أي مرحلة من مراحل الدعوى ويرفع الطلب بشكل مستقل وبواسطة المحامي .
المطلب الثاني : مسطرة القضاء الاستعجالي في المادة الإدارية
يجب التسليم أنه ورغم إنشاء المحاكم الإدارية إلا أن القواعد العامة في التقاضي تجد أسسها في قانون المسطرة المدنية الذي يعتبر الشريعة العامة والمرجع الأصيل إلا أن هذا الأمر لا يعني إقضاء الجدة في القانون الإداري الذي جاء بمجموعة من المستجدات لحل أهمها المقال الموقع من طرف محامي لكن قبل التطرق لهذا الأخير نتساءل عن الجهة المختصة في القضاء الاستعجالي الإداري؟
وما هي حجية الأحكام وطرق الطعن ؟
المطلب الأول : القاضي المختص وطبيعة المقال في القضاء الاستعجالي
الإداري
سنتعرض في هذا المطلب للقاضي المختص ( الفقرة الأولى) ولطبيعة المقال في القضاء الاستعجالي الإداري ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : القاضي المختص
تنص المادة 19 من قانون إحداث هذه المحاكم الصادر بظهير 1993 على أنه " يختص رئيس المحكمة الإدارية أو من ينوب عنه بصفة قاضيا للمستعجلات والأوامر القضائية بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية "[33]
يظهر من هذه المادة ان المشرع لم يشترط الأقدمية في القضاة مباشرة القضاء المستعجل نيابة عن رئيس المحكمة الإدارية عكس ما نس عليه الفصل 149 من ق م م، كما انه بإمكان رئيس المحكمة الإدارية اختيار من يراه أقدر على مباشرة الاختصاص الاستعجالي نيابة عنه خلافا لقانون المسطرة المدنية الذي حدد من ينوب عن الرئيس إلا أن هناك إشكالا يتجلى من خلال الاختصاص في الاستئناف هل هو رئيس المحكمة الإدارية باعتباره الجهة الوحيدة المذكورة في المادة 19 أم أن الاختصاص يعود للمجلس الأعلى باعتبار أن المادة 46 من القانون المنظم للمحاكم الإدارية يعتبره محكمة استئنافية في كل ما يستأنف من أحكام إدارية الجواب على هذا السؤال يحيل أنه بعد أن كان المجلس الأعلى هو المسند إليه الاستئناف إلا أن صدور قانون محاكم الاستئناف الإدارية في فبراير 2006 جعل الأمر ممنوحا لهذه المحاكم حيث أنه في المادة 6 من قانون استئناف المحاكم أعطى للرئيس الأول المحكمة الاستئناف الإدارية أو لمن ينوب عنه صلاحية ممارسة القضاء الاستعجالي متى كان النزاع معروضا على محكمته [34]
الفقرة الثانية : طبيعة المقال
تنص المادة الثالثة من قانون إحداث المحاكم الإدارية لسنة 1993 على أن المسطرة يجب أن تكون كتابية فلا تقبل أية دعوى لم تتم بواسطة مقال مكتوب، وهذا يعني أنه لا مجال لسلوك المسطرة الشفوية في المادة الإدارية ثم إن المقال المكتوب يقدم من طرف محام [35] خلافا لقانون المسطرة المدنية، وتؤدى عن هذا المقال الرسوم القضائية إلا أن هناك إمكانية منح رئيس المحكمة للمساعدة القضائية طبقا للمسطرة المعمول بها في هذا المجال[36] ويوجه المقال إلى رئيس المحكمة الإدارية او من ينوب عنه الذي يقوم بتحريك مسطرة الاستعجال.
إضافة إلى الشروط الواردة في قانون المسطرة المدنية المتعلقة بالصفة والأهلية وذلك المتعلقة بتضمين المقال كل المعلومات الضرورية التي تعرف بأطراف الدعوى من اسم عائلي وشخصي ومهنة وموطن او محل إقامة الأطراف وصفـة وموطـن وكيل المدعـي والمدعى عليه، أما التبليغ فيتم وفق ما ورد في ق م م[37].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - بكرش كريم " القضاء الاستعجالي " منشورات المعهد العالي للدراسات القانونية والجبائية التطبيقية الطبعة الأولى ، 1994 – 1995 ص : 15.
[2] - المرجع نفسه
[3] - المرجع نفسه ص 27.
[4] - خميس اسماعيل السيد :" القضاء المستعجل ، وقضاء التنفيذ وإشكالاته " دار محمود للنشر والتوزيع ، طبعة 2003-2002 ص 10.
[5] - عبدالكريم الطالب " الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية " المطبعة والوراقة الوطنية الطبعة الخامسة ، 2008 ص 103.
[6] - عبدالكريم الطالب ، مرجع سابق، ص 104.
[7] - بلحرش كريم، القضاء الاستعجالي" مرجع سابق، ص 35.
[8] - عبدالكريم الطالب، مرجع سابق، ص 105.
[9] - عبد العزيز توفيق:" شرح قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي" المكتة القانونية 4 الجزء الأول 1995 ص 328.
[10] - المرجع نفسه ، ص328
[11] - ظهير 10 شتنبر 1993 بتنفيذ القانون رقم 90- 41 المحدث للمحاكم الإدارية
[12] - دليل المحاكم الإدارية ، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية سلسلة شروح الدلائل العدد 3، 2004 الطبعة الأولى وزارة العدل ، ص 81.
[13] - حكم المحكمة الإدارية بفاس حكم عدد 833 بتاريخ 10 / 12/ 2002 منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية سلسلبة دلائل التسيير عدد 16 – 2004 ص 620.
[14] - أمر المحكمة الإدارية بفاس عدد 210/2002 بتاريخ 5/7/2002.
[15] - الشبيهي مشيش ، في القضاء الإداري المغربي ، دراسة عملية المحمدية ، مطبعة فضالة 1997 القرار رقم 3/ 94 / 25 / 97410 ص 35 وما يليها
[16] - دليل المحاكم الإدارية نفس المرجع السابق، ص 83.
[17] - أمر مستعجل 28/4/1994 ملف 4/94 أورده إبراهيم زعيم الماسي المرجع العلمي في الاجتهاد القضائي 1996 ص 69.
[18] - نفس المرجع أعلاه أمر 8/6/1994 ملف 2058 ص 69.
[19] - المادة 24 ظهير 6 ماي 1982 قانون رقم 81/7 متعلق بنزع الملكية والاحتلال المؤقت .
[20] - عرض تحت عنوان ، نزع الملكية من أجل المنفعة العامة ، كريم لحمين، وعبيدوش عبدالعزيز ، ص 19 /2007 –2008.
محمد الكشبور ، نزع الملكية من أجل المنفعة العامة ، مطبعة النجاح الجديدة طبعة الأولى 1989.
[21] - المحكمة الإدارية بالبيضاء ملف رقم 1296 /2004 بتاريخ 03 /03 /2005 المجلة المغربية للمنازعات القانونية العدد المزدوج 5 – 6 / 2007 ص 244.
[22] - المحكمة الإدارية بوجدة 27/95 – 22 /2/1995 ملف 42/94 إبراهيم زعيم الماسي، المرجع العلمي في الاجتهاد القضائي الإداري 1996 ص 170.
[23] - محمد النجاري طلبات إيقاف تنفيذ مسطرة الاستخلاص الديون العمومية على ضوء مدونة التحصيل الجديدة مجلة المعيار العدد الثامن والعشرون نونبر 2002 ص 8.
[24] - 13/94 –27/9/1994 ملف 14/94 غير منشور ،ابراهيم المساسي ، م س ، ص 73
[25] - عبد العزيز عبدالمنعم خليفة قضاء الأمور الإدارية المستعجلة وقف تنفيذ القرار إشكالات تنفيذ الأحكام دعوى تهيئة الدليل المعارف الاستكندرية 2002، ص 13.
[26] - قرار إداري عدد 823/13/11/2003.
[27] - إدارية البيضاء حكم عدد 545 بتاريخ 9/ 4 / 1997.
[28] - عبد العزيز عبد المنعم خليفة ، مرجع سابق، ص 20.
عزيز بودالي ، بحث حول إيقاف تنفيذ القرار الإداري ، مجلة الإشعاع عدد 13 لسنة 4 دجنبر 1995 ص 31.
[29] - المحكمة الإدارية بمراكش حكم عدد 74 بتاريخ 10/ 4/ 2002.
[30] - المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 4137 لسنة 30 ق جلسة 18 / 2/1997 عبد العزيز عبدالمنعم المرجع السابق، ص 85 – 86.
[31] - حكم إدارية مكناس ملف رقم 119/2003 بتاريخ 28/11/2003.
[32] - المحكمة الإدارية العليا طعن رقم 2742 لسنة 29 ق جلسة 4/3/1984.
[33] - موسى عبود ، محمد السماحي ، المختصر في المسطرة المدنية والتنظيم القضائي ،مطبعة الجدديدة الطبعة الثانية 1999 ص 77
[34] - عبد الكريم الطالب مرجع سابق، ص 129.
[35] - الادة 3 من قانون 90 – 41.
[36] - الفقرة الثالثة المادة 3 من قانون 90 –41.
[37] - الفصل 32 من ق م م .