إن عملية التبليغ تنطلق قبل مناقشة النزاعات أمام المؤسسات القضائية وتستمر في الغالب بعد البث فيها، وبالتالي يمكن اعتبارها القاطرة الوحيدة لتبليغ الإجراءات وإعداد وتهيء الملفات، وتبليغ وتنفيذ القرارات المتعلقة بها وحفظها نهائيا، اوتوجيهها إلى الجهة القضائية المختصة للبث فيها.
ـ كما أن التبليغ القضائي يعتبر من أهم العناصر المساهمة في تحقيق مبدأ حق الدفاع الذي لايمكن تصور احترامه دون إشعار وإخبار وإعلام أطراف النزاع بالقضايا المتعلقة بهم والمطروحة أمام العدالة للبث والحسم فيها قبل أن تصبح نهائية وحائزة لقوة الشيء المقضى به.
ونظرا لقانونية التبليغ القضائي ولارتباطه بحقوق الدفاع والمحاكمة العادلة فقد جعله المشرع المغربي خاضعا لرقابة المجلس الأعلى. وللإحاطة بجوانب التبليغ القضائي وأثاره توخينا تقسيم البحث إلى عدة مطالب.
1) تعريف التبليغ
2) شكليات التبليغ
3) طـرق التبليغ
4) أثـارالتبليـغ
5) التبليغ في ظل القاوانين الأخرى
المطلب الأول : تعريف التبليغ
إن قانون المسطرة المدنية في الفصول 37 -38 -39 وغيرها لم يقدم أي تعريف وإنما اكتفى بذكر الإجراءات الواجب سلوكها سواء من حيث الجهات المكلفة بالتبليغ أو الأوراق التي ينبغي ملؤها كطيات التبليغ وشواهد التسليم ومع ذلك فإنه من المناسب إعطاء تعريف للتبليغ لبيان الهدف منه ويمكن ذكر التعريف الآتي:
التبليغ هو" إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى علم شخص معين على يد أحد أعوان كتابة الضبط، أو أحد الأعوان القضائيين، أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، أو بالطريقة الإدارية والهدف من ذلك هو ضمان علم المبلغ إليه بالأمر المراد تبليغه ".
ومن خلال هذا التعريف تكمن أهمية التبليغ في عدم جواز احتجاج المبلغ بجهله لما تم تبليغه به حتى أن بعض الفقه اعتبر حجية التبليغ كحجية نشر التشريع بالجريدة الرسمية إذ لا يجوز الاعتذار بجهل ما تم التبليغ به قياسا على قاعدة عدم جواز الاعتذار بجهل القانون.
المطلب الثاني: شكليات التبليغ
ينبغي التذكير بأن التبليغ الذي يكتسي الحجية المذكورة هو ذاك المستجمع لكل البيانات والشكليات المنصوص عليها قانونا وهي:
1) الأسماء العائلية والشخصية ومهنة وموطن إقامة الطرفين
فلهذا البيان أهمية قصوى في تحديد الاختصاص المكاني، فضلا عن أنه يحدد آجال التبليغ إذ تختلف الأجال بحسب وجود موطن المتبلغ إليه في المغرب أو في الخارج، إلى جانب ذلك يساعد البيان المذكور الطرف المدعى عليه على معرفة خصمه الذي رفع الدعوى ضده، وغير خاف أن لمعرفة الخصم في النزاع أهمية بالغة، إذ تجعل المدعى عليه مستعدا للرد على إدعاءات المدعي بالوقائع والقانون على حد سواء.
2) موضوع الطلب:
وهذه الشكلية في أهميتها لا تقل عن البيان السابق، إذ بمقتضاها يتوصل الطرف المبلـغ ـ المدعى عليه ـ إلى طبيعة النزاع الذي أصبح طرفا فيه، هل هو مدني أم جنائي، وإذا كان مذنيا هل هو متصل بالعلاقات المالية للأسرة، وكل هذا ذو أهمية خاصة يساهم في تأهب واستعداد المدعى عليه لإعداد الدفاع عن نفسه وزيادة على ما ذكر فإنه في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنيةينص الفصل( 274 من ق .م.م) على ما يلي: يستدعى الأطراف للجلسة طبقا للشروط المشار إليها في الفصول 37-38-39 قبل التاريخ المحدد لحضورهم بثمانية أيام على الأقل ويجب أن يتضمن الاستدعاء بالإضافة إلى التاريخ بيان المكان والساعة التي ستعرض فيها القضية، واسم الطالب ومهنته، وموطنه، وموضوع الطلب، وبيان اسم وعنوان المصاب أو ذوي حقوقه واسم المشغل والمؤمن وكذا تاريخ ومكان الحادثة، أو تاريخ ومكان التصريح بالمرض المهني.
أما بخصوص الاستدعاء من أجل إجراء خبرة طبية فإن التعديل الجديد فـي الفصل (63 من ق.م.م) لم يعد يشترط توجيه الاستدعاء بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل خلافا لما ينص عليه الفصل 37 من نفس القانون.
3) المحكمة التي يجب أن تبث في النزاع:
وتكمن خصوصية هذا النزاع في الحيلولة دون معاناة المتقاضين من مشاكل الاختصاص، فبيان المحكمة المختصة يجعل من السهل على الطرف المبلغ اللجوء إلى المحكمة التي عليه أن يمثل أمامها دفاعا عن حقوقه ومصالحه دون مشقة أو عناء. وقد حدد الفصل(28 من ق.م.م) الاختصاص المحلي في الدعاوى الاجتماعية في الفقرة الثالتة كما يلي:" في دعاوى حوادث الشغل أمام المحكمة التي وقعت الحادثة في دائرة نفوذها، غير أنه إذا وقعت الحادثة في دائرة نفوذ محكمة ليست هي محل إقامة الضحية جاز لهذا الأخير أو لذوي حقوقه رفع القضية أمام محكمة محل إقامتهم، أما في دعاوى الأمراض المهنية فتنص الفقرة الرابعة من نفس الفصل على أن الاختصاص المحلي يكون أمام محل إقامة العامل أو ذوي حقوقه".
أما من حيث الاختصاص النوعي فإن المحكمة المؤهلة للنظر في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية طبقا للفصل (18 وما بعده من ق.م.م) هي المحكمة الابتدائية.
4) يوم وساعة الحضور
5) التنبيه إلى ضرورة اختيار موطن في مقر المحكمة عند الاقتضاء:
وهذه شكلية ترمي إلى الحد من مزاعم بعض الأفراد وادعاءاتهم بعدم توصلهم بالتبليغ لعدم توفرهم على موطن أو محل إقامة يراسلون ويبلغون فيه، فمتى تم تنبيه المبلغ باختيار موطن ـ وغالبا ما يكون لدى محام ـ أصبح يسيرا استدعاؤه والاتصال به كلما اقتضى الأمر ذلك. ولا تكفي البيانات السابق ذكرها لاعتبار تبليغ الاستدعاء صحيحا وإنما لا بد من أخد مقتضيات الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية بعين الاعتبار إذ ينص هذا الفصل على أنه :
ترفق بالاستدعاء شهادة يبين فيها من سلم له الاستدعاء وفي أي تاريخ ويجب أن توقع هذه الشهادة من الطرف أو من الشخص الذي تسلمها في موطنه، وإذا عجز من تسلم الاستدعاء عن التوقيع أو رفضه، أشار إلى ذلك العون أو السلطة المكلفة بالتبليغ، ويوقع العون أو السلطة على هذه الشهادة في جميع الأحوال ويرسلها إلى كتابة ضبط المحكمة. وإذا تعذر على عون كتابة الضبط والسلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرف أو على أي شخص في موطنه أو محل إقامته أشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعنية بالأمر....." في حقيقة الأمر تعد هذه البيانات مكملة للتي سبق ذكرها، لكن مع ذلك تثير بعض الإشكاليات منها.
نعتقد أن المشرع حين أوجب على العون المكلف بالتبليغ الإشارة إلى عجز من تسلم الاستدعاء عن التوقيع أو رفضه، فيه نوع من القصور، فإذا كانت الإشارة إلى رفض المتسلم للاستدعاء بالشهادة المرفقة بالاستدعاء أمرا مقبولا، لأن ذلك يعكس الموقف الرافض لمن تسلمه، فإنه في اعتقادنا كان على المشرع أن يسمح في حالة العجز عن التوقيع، بالتوقيع بالبصمة وألا تعاد الشهادة إلى كتابة الضبط، والسند في ذلك هو التقليل من حدة طول الإجراءات التي عادة ما تعتري تطبيق قواعد المسطرة. يقضي الفصل أعلاه بإرسال العون للشهادة المذكورة بعد توقيعه عليها إلى المحكمة ـ كتابة الضبط بها ـ وحسب ما لدنيا من اعتقاد، ينبغي أن يستعمل المشرع لفظ " يودع " بدل " يرسل " لأن العادة جرت على أن يكون الأعوان المكلفون بالتبليغ تابعين لذات المحكمة. بل ويكونون موظفين بها كما هو الحال بخصوص كتاب الضبط فكيف يستساغ أن يرسل العون الشهادة مع إمكانية إيداعها بكاتبة الضبط التي يعمل في إطارها أضمن لسلامة وسير المسطرة فضلا عن أن الإيداع يساعد على السرعة في الإجراءات ويحول دون البطء فيها